آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

العبودية المذلة

ورد عن أمير المؤمنين : اَلْجَاهِلُ عَبْدُ شَهْوَتِهِ» «عيون المواعظ والحكم ص 33».

حينما نحكي عن مفهوم العبودية لإنسان آخر بلا شك تتشكل مجموعة من التصورات المتخيلة والأفكار المتواردة المتشابكة عن هذه العلاقة بين العبد وأغلال أسره وتكبيله، وتشحن العواطف تجاهه لما يعاني منه من تكبيل الحرية وفقدان الهوية والاختيار وذل التبعية العمياء وإن انتهكت قوانين الإنسانية المتحضرة القائمة على الاحترام المتبادل وحفظ الحقوق، فكيف يمكن لنا تصور حالة الانتهاك والعدوان لا من طرف خارجي بل هي إذلال المرء لنفسه وإدارة أغلال الأسر على نفسه بدون تدخل من أحد؟!

الأمر مرتبط أولا بمفهوم الكرامة الإنسانية القائمة على تشكيل الصورة المعنوية المتكاملة والقوية للفرد، والتي أهمها احترام ذاته وتجنب التدني والمقاربة لإذلاله وحرمانه من حرية الاختيار، فالتبعية العمياء صورة بشعة من صور الانتهاك الإنساني وتجاوز خطير على بوصلة تحركه في دروب الحياة، والقائمة على التفكير الحر والتنقل بين الإيجابيات والسلبية والنظر في العواقب وتجنب الآثار الوخيمة لكل خطوة يقدم عليها أو فكرة تتبلور في ذهنه ويتحدث عنها.

من عوامل العبودية المهينة هي الإعراض صفحا عن الحركة الفكرية الواعية والاستدارة نحو التخبط العشوائي واستشارة الأهواء والشهوات وتحكيم اللحظات الانفعالية المتهورة لتكون عماد قراراته وتصرفاته، فالجهل إطباق اليد على عين البصيرة المضيئة له عقبات الطريق وتفرعاتها وما يختار منها، فالشهوات والغرائز المتفلتة تسلبه حرية الاختيار والتصويب نحو الهدف السديد، وحدوث حالة انفصام عملي ما بين نورانية الفكر الحر الناضج وبين التبعية للنوازع والميول النفسية الشهوانية، فيحيله إلى شخص ذليل لا يملك قدرة الممانعة للأخطار المحدقة وما يلحق به من أذى وأضرار بليغة، وأي ضرر يلحقه أكبر من تكبيل إرادته ووضع كيس أسود على عقله ليسير مترنحا يمنة وشمالا لا يهتدي طريقه؟!

ولابد لنا من تحديد مفهوم الجهل بعد الإطلالة السابقة على مفهوم العبودية والذلة الذاتية دون تدخل لعامل خارجي، وبعد الإشارة كذلك لمعنى الشهوات وهي الميول والنوازع النفسية التي تصدر من الغرائز المتفلتة التي لا تحكمها ضوابط العقل والشرع، والمعنى الثالث وهو الجهل لا يعني فقدان مقومات التعلم والاطلاع على المعارف الإنسانية والدينية، بل هناك مباينة ومعاكسة لطريق التنوير والسداد في القرار وكل تصور منطقي تفرزه المدركات العقلية، فمحركه الذي يستسلم له ويقر بتحركاته ويسير خلفه هي مشتهياته المتفلتة وما يجلب له المتع الآنية وإن أورثته الحسرة والندم، فجهله يبسط له الأمور وسهولة الاختيار من خلال ما يرتاح له ويضفي عليه بظلال الارتواء النزوي عليه، بل ويرى في الحكمة والتأني والتفكير المتزن القائم على الحجية والدليل ضربا من المثالية الوهمية، وتجتاح الجاهل أوهام القدرة والاستطالة على فعل كل شيء، وتسيطر الخيالات المضروبة والساقطة على نفسه حتى يألهها ويستشعر العصا السحرية بين يديه!!

الإنسان القوي الساعي إلى تكوين ملاكات كماله وشق طريق تحقيق الأهداف السامية هو المحكم لعقله الرشيد الواعي، فليبدأ أولا بالتخلص من أغلال الجهل والتزمت والخفافيشية الفكرية باتباع المحجة البيضاء للبصيرة النافذة الثاقبة، وليعلم بأن الشهوات لا تحقق الحرية له بل تسلبه أعظم ما يملك وهي حرية الاختيار، وتجعله مسيرا بلا إرادة لكل ما يهلكه ويلحق به الأضرار البليغة، فالشهوات مذلة للمرء وتسقطه من عين كل عاقل أريب، وتورثه العمى والتخبط والترنح في دروب الحياة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد جاسم
[ الأحساء ]: 20 / 7 / 2019م - 11:24 م
أحسنت سيدنا
بارك الله فيك

لا فض فوك.