آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

حانوت المحبة

المهندس هلال حسن الوحيد *

يسألني صاحبٌ لي لماذا أنا أكتبُ عن البشرِ كثيراً؟ قلتُ له: أنا درستُ وعملتُ مع الحجرِ مدة طويلة وكتبتُ عن الحجرِ كثيراً. وبعد عددٍ من السنين وجدتُ أن الفارق بينهما حرفان! كلاهما صلبٌ عنيدٌ لكنه عندَ ضغطٍ ما يلين ويستكين ويبوح بأسراره.

في بلادِ العجائب حوانيتٌ لبيع المحبة. يستقبلك الصيدلاني ويسألكَ كم من المحبةِ تريد أن تشتري ولمن؟ في كل الوصفات يعطيك الصيدلاني حبةً كَتَبَ عليها ”حقيقة الشفاء أن تعرفَ عيوبِ نفسك“. تأخذ الدواء وبعد أسابيعَ قليلة تستطيع المحبةُ مخاطبتك وتستطيع مخاطبتها! فعلاً، إنَّ معظمَ الأشياءِ في الحياةِ نستطيع شراءها من الحانوت، فهل نستطيع شراءَ المحبةِ من الحوانيت؟ في الواقع حانوت المحبةِ لا يختلف كثيراً عن حانوتِ الأزهار والورود. ننظر إلى وردةٍ نشتريها ونرعاها ونحنو عليها تدومُ طويلا، ثم وردة لا نسقيها ولا نلمسها تموت!

المسافةُ بين الحيِّ والميت شبران، أو أكثر قليلاً! فكم هي المسافةُ بين الأحياء؟ من غريبِ مسافاتِ الأرواح أنها لا تقاس بالأميال، إذ كم من بعيدٍ عنا هو في الحقيقةِ شاخصٌ وماثلٌ في نواظرنا وساكنٌ في قلوبنا. وكم من قريبٍ منا بيننا وبينه آلافُ الأميالِ من الفرقة والابتعاد! في السنواتِ التي عشتها كم ظننتُ في كثيرٍ ممن قابلت أنه بعيدٌ عني ولن يكون بيننا كثيرُ ودٍّ واكتشفت بعدها أن كثيراً من الودِّ والمحبة كان مخبوءًا تحتَ المعطفِ والمظهر. وكم رأيتُ من الناسِ من ظننتُ أن المحبةَ سوف تدوم معه طويلاً ولكنها ذبلت واختفت قبل غروبِ الشمس.

ربنا أعطنا الصبر أن نجتاز عناوينَ البشر قبل أن نحكم على ما بعد العناوين من فصولِ روايتهم لعلنا نحبهم واجعلهم يجتازون عنوانينَ روايتنا ويكملونَ قراءتها ويحبوننا قبل أن يرموها من أيديهم. في كل الأحوال يبقى الحبُّ أعمى وفيه شيءٌ خفي، لا يبصر بعينٍ ولكن يبصر بقلب، قلبٌ يخفي العيوب ويظهر المحاسن كيفما شاء!

أيها الصيدلاني عرفنا وصفةَ المحبة بين الناس، فهل تبيع وصفةً للمحبةِ بين المجتمعاتِ والشعوب والأمم؟ قال: الحقيقةُ في أن تعرفوا عيوب أنفسكم!

مستشار أعلى هندسة بترول