آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

بعد أن يرتد إليك طرفك

بسام المسلمي *

”لم يعد مصطلح القرية الكونية Global Village الذي صاغه مارشال ماكلوهان Marshall McLuhan في ستينيات القرن العشرين، يتناسب والتحولات التي يشهدها العالم الراهن، بعد أن جرى اختصار العالم برمته في جهاز الهاتف المحمول.“ إسماعيل نوري الربيعيّ، ”الإنسان الرقميّ وشراك الإنترنت“.

لاشك أن الهواتف الذكية أحدثت نقلة نوعية في كثير من جوانب حياة الإنسان العلمية والعملية، ولعل أبرزها كان ولا يزال في ”التعاطي“ مع المعلومة كماً وكيفاً واستدعاء. فأصبح غير المتخصص وجه لوجه مع المعلومات التخصصية والعلماء المتخصصين في شتى المجالات يسمع منهم ويقرأ لهم مباشرة متعلِّما ومناقشاً ومحاوراً. فالمعلومات والكتب المتخصصة التي كانت حكراً على المتخصصين أمست متاحة لشاب لم يتخصص بعد في أي مجال. وهذا ما دفع ذلك الشاب وأمثاله إلى أن يتحدث وربما يكتب في مواضيع متنوعة بسطحية تارة وبعمق تارة أخرى بحيث لا يستطيع المتخصص بحال أن يغض الطرف عنه ويهمل حديثه فلا يحاوره ولا يناقشه بحجة أنه غير متخصص.

وقول بيير بورديو Pierre Bourdieu بأن من لا يتلقى ثقافة رفيعة لا يمكن أن ينتج أحكاماً رفيعة، لم يعد حكراً ربما على ذلك النمط التقليديّ من المتخصصين الذين يقضون أوقاتهم في مكاتبهم بحثاً وتنقيباً وقراءة في الكتب. بل إن ذلك الشاب الذي جلس يحتسي قهوة في ذلك المقهى الذي اكتظ بالمرتادين، لم يخرج من ذلك المقهى إلا بعد أن فرغ من قراءة بحث عميق أو نقاش علميّ طويل في أحد الموضوعات المتخصصة والدقيقة جداً من خلال هاتفه المحمول الذي لا يتجاوز كفة يده، وإلا بعد أن خرج منه بثقافة تتيح له أن يناقش المتخصصين في ذلك الحقل العلميّ أو - على الأقل - في جزئية دقيقة من ذلك المجال الواسع. فذلك الجهاز الصغير حجماً تحول إلى مكتبة ضخمة تحضر إليك كل الكتب والمعلومات من كل مكان على هذه الأرض، فجني الفانوس السحريّ خرج من ذلك الهاتف المحمول ليقول لصاحبه ”شبيك لبيك“. وكذلك فإن ”شركات البرمجيات التي جعلت هدفها الرئيس يقوم على تنميط العالم في القالب الاستهلاكي“ ضخت البرامج و”الأبليكيشنات“ التي تحوي على ما يلبي رغبات المستهلك مادام ذلك يدر لها الربح الوفير والهيمنة والسيطرة على رغباته وميوله.

وعلى كل حال؛ فإن هذا الكم الغزير من مصادر المعرفة التي يتيحها الهاتف الذكي، أسهم - بحسب رولان بارت Roland Barthes - ”في تقارب الثقافات المختلفة، وزيادة الاعتماد المتبادل فيما بينها، وغدت أحوال الوعي بالإختلاف هي الأكثر شيوعاً وتداولاً، فيما راحت الفواصل تذوب بين المجتمعات والثقافات المختلفة. والنتيجة هي إن كل هذه التغيرات العلمية التي أحدثها الهاتف الذكي، جعلت من جميع المتخصصين في الحقول المختلفة عرضة للمناقشة والمساءلة والحساب. ولن يكن عالم الدين ورجاله بدعاً من أولئك المتخصصين. فلم يصبح أمراً غريباً ولا مستهجناً أن تجد شاباً غير متخصص يطرح رأياً أو إشكالاً دينياً أويناقش فكرة ومعتقداً دينياً متكئاً و“ مستقويا" بمنبع المعلومات الذي لا ينضب أبداً وهو ذلك العفريت الذي في يده الذي يأتي له بالمعلومات بعد أن يرتد إليه طرفه بلحظة واحدة فقط، والذي أمده بكل تلك الثقة والقوة والجسارة التي تحلى وتسلح بها.

فذلك الشاب لم يعد لوحده في الساحة الآن، بل إنه مع جيش متكامل مدجج بكم هائل من السلاح المعرفيّ والعلميّ. وهذا ما أوجب على المتخصص أن يكون مستعداً استعداداً علمياً مسبقاً وقوياً كي يكون متحصناً تماماً من أية ضربة طائشة من ذلك الشاب قد تسقطه وتسقط كبرياءه ووقاره العلمي والثقافي كله. ومن هنا، فإنه على المتخصص، مهما أوتي من علم ومهما كان تخصصه دقيقاً ومحكماً، أن يتواضع ويرضخ بأن يدخل في ”حوار“ هادئ مع ذلك الشاب وأمثاله مُظهِراً ومبطِناً عدم امتلاك الحقيقة وجاهزاً لأن يتعلم ويبحث وينقب عن تلك الحقيقة بمعية ذلك الشاب وبمساعدته التي لا يستهان بها بعد الآن!

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 8
1
جواد المعراج
[ القطيف ]: 26 / 7 / 2019م - 3:20 م
هذا أنتم على حقيقتكم يا أهل الاختصاص والمثقفين والكتاب ما عندكم الا التعامل بالنرجسية والتحبيط مع فئة الشباب هذا الي وصلتوا له هذا مقالك كله ما جاب لي فيده كله بس تحبيط نفسيا وتنتقد الشباب بدال ما تشجعهم، وانت تقول الشباب يهايطوا على اهل الاختصاص انت احين قاعد تهايط وتستقوي على الشباب.

وشكرا مجرد رأي بس.
2
abo salma
[ قندهار ]: 26 / 7 / 2019م - 6:10 م
ما الحاجة للمتخصص اذاً؟ والفانوس السحري معي.
وما الحاجة لحوار المتخصص ؟ فنتيجة الحوار التى اطلبها سأصلُ اليها قبل ان يرتد الى طرفي.

فيا ايها الدكتور تنحى انا احتاج فقط العيادة لعلاج نفسي بفانوسي
ويا ايها الادب فقط اعطني القرطاس والقلم وانا اكتب بفانوسي .... ربما فانوسي عنده قرطاس؟

ويا عالم الدين لا حاجة لي بك فشرع الله واحكامه وعباداته في فانوسي
لاتفسر لي القران ولا تخبرني بالروايات ومدلولها ولا تستنبط الحكم والتكليف
خصوصاً انت يا يرجل الدين لا اقبل منك ان تخبرني بالحلال والحرام فأنت كمحارة في صدفة اذا فتحت تريد ان تكلمني عن عالم البحار 😁


كلها تصلني قبل ان يرتد لي طرفي !!!!

ويمكن فانوسي احسن منك يالمتخصص

ولم كتبت انت مقالك ؟؟؟ لا احتاجه ففانوسي معي
شكراً للفانوس الذي ساعدني هنا.
3
محمد حسن المسلمي
[ السعودية- الاحساء ]: 26 / 7 / 2019م - 6:12 م
ما نشره ابن العم العزيز في هذا المقال يحاكي حالة قد تعتبر ايجابية لهذا العفريت كما وصفه

ولكن في الجانب الاخر نرا قصور في اولئك الذين ياخذون سطح الموضوع فقط وان كان هذا الموضوع يعتبر دقيق في تخصص ما مما يؤدي الى غشاوة وضحالة في الساحة العلمية

فمن الطبيعي تناولك لموضوع واحد في تخصص ما يفوت عليك الكثير من المعرفة القبلية والاساسيات التي يرتكز عليها التخصص

وفي النهاية لا اريد أن استمع الى غير متخصص يتحدث عن ادوية او عمليات جراحية مهما استطاع التحصيل في تلك العملية الجراحية ، فالمتخصص يعطيك ثقة قبل أن يعطيك معرفة في بعض الاحيان.
4
ابوعبدالله جلال
[ الاحساء ]: 27 / 7 / 2019م - 7:52 ص
اعتقد ان دعوة الكاتب في نهاية المقال. للحوار الهادئ من المتخصص مع غيره. تعتبر مشروعة وانا معه في ذلك. كذلك على غير المتخصص مراعاة آداب الحوار مع المتخصص. وذلك للوصول. لنتيجة مرضية للطرفين. وعليه ان يعي بأن لكل علم مصطلحاته والتي لايعرفها غير المتخصص.
5
محمد جواد الناصر
[ منصورة الأحساء ]: 27 / 7 / 2019م - 9:22 ص
أبدعت و أجدت الطرح، أبا أديب.
6
د.إبراهيم محمد المسلمي
[ الدمام ]: 27 / 7 / 2019م - 2:03 م
بحسب كلامك نستنتج الآتي:
أولاً :لا قيمة للتخصص فكل واحد يمكن أن يكون متخصصاً طبيباً أو مهندساً أو اجتماعيا لحل المشاكل الاسرية .
ثانياً:اذا كان المتخصص يمكن تسقطه ضربة طائشة فأولى أن تكون الضربة قوية على غير المتخصص لأنه دخل في بيت غير بيته
ثالثاً : هناك فرق بين المتخصص والمثقف
المتخصص وحتى الفلاح الذي بنى قراره واستنتاجه من خلال الممارسة وقراءة الواقع فهو محل ثقة واعتبار وهذا ما يقوله العقلاء
أما المثقف الذي يقرأ فقط ولَم يمارس العمل فيحتاج الى بينة لإنكار أو تكذيب المتخصص لأن البينة على من ادعى وهذا يكون صعب على من يقرأ من الجوال ويناظر المتخصص

رابعاً: حتى التخصص العام الان لا يكفي فمثلاً في الطب يوجد طبيب أعصاب للصغار وطبيب للكبار
وفي تخصص اعصاب الصغار يوجد متخصص للتشنجات العصبية لذا يرسل طبيب الاعصاب مرضاه الى المتخصص الدقيق
وهذا منطق العقلاء ومنطق الواقع

خامساً: رأينا الكثير من يترجم المقالات العلمية ويتابع الأبحاث مثلاً الطبية لكن الناس لا تسأله عن حتى حبوب البندول وترجع الى الصيدلي الصغير

سادساً :عادة المثقف يكون همه معارضة المتخصص من غير دليل كما يفعل الإعلاميون في القضايا الطبية للتشهير وإسقاط الطبيب وليس للنقاش العلمي وهذا مرفوض طبعاً عقلاً وشرعاً

تحياتي
7
جعفر العبدالله
[ United States ]: 27 / 7 / 2019م - 9:17 م
المقال جدا موفق ...

ربما لم تصل الرسالة كما يريدها الكاتب الى بعض الذين كتبوا التعليقات بالاعلى

الكاتب هنا يريد ان ينبه المتخصصين -و ليس الشباب- أن المعلومات لم تكن حصرا عليهم, بل الان يستطيع الشباب الحصول على الكثير من المعلومات و مناقشتها مع المختصين. طبعا الكاتب لايقصد الغاء المختصين و عدم الرجوع اليهم. لكن يوضح ايضا انه يستطيع اي شخص ان يقرأ الكثير في مجال معين و يرجع للمختص لمناقشته و سؤاله. فالكاتب يدعو المختصين للتواضع مع الناس و السماع منهم و ان لايمارسوا عليهم انه قد ختموا العلم و يعلموا كل شيء.
8
علي العبيدان
27 / 7 / 2019م - 10:36 م
ان الشاب او المثقف في اطلاعه على تخصص معين لايمكن أن يكون كالمتخصص فيه اطلاقا لان من درس ونقب وبحث طيلة سنين في تخصصه ومجاله ليس كمن قرأ كتابا او كتابين او ثلاثه وقس على ذلك فلذا يمكن أن يخفى عليه شئ او تفوته زوايه مهمه او يكون فهمه خاطئ نتيجه المقدمات الخاطئة التي اتبعها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى حينما تقول يجب على المتخصص ان يستمع للشاب ويتواضع فهذا مما لاشك فيه فمهما بلغ الإنسان يجب أن يستمع ويتعلم حتى ممن هو اقل علما منه فالنبي موسى عليه السلام قد اتبع وتعلم من الخضر وهو قطعا ليس بأعلم منه إلا لعله في هذا الجانب الذي اتبعه فيه النبي موسى عليه السلام ومع ذلك اتبعه وتعلم منه والنبي صلى الله عليه وآله يقول (وقل رب زدني علما)
ثم إن الشاب والمثقف الذي يقرأ في الحقل الديني سواء في شتى مجالاته او في مجال معين يجب أن يناقش العلماء بأدب واحترام ومن باب التعلم أيضا لاالتعنت
فبعضهم قرأ شيئا فيظن انه حوى كل شئ في المجال ويريد ان يناقش العلماء من باب المجادلة والتعنت لامن باب التعلم والتعرف فكما يجب على العالم يجب على الشاب والمثقف ثم اذا تبين للعالم خطأ فكرته او عدم صوابيتها وكذلك بالنسبة للخطيب او المبلغ فعليه ان يعترف بخطئه كذلك يجب على المثقف او الشاب اذا تبين له خطأ فهمه في قراءته او استنتاجه ان يقر ولايعنت هذا وصلى الله على محمد وآله والحمدالله رب العالمين