آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 9:58 ص

سوء الفهم

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض العديد من القرارات المفصلية والمصيرية، انطلاقا من انطباعات غير واقعية، وشكوكا غير حقيقية، كنوع من ردة الفعل غير المنسجمة مع النظرة العقلانية، التي يفترض ان تكون حاكمة في مختلف الأمور، فهذا الصنف البشري يحاول بناء الكثير من الاستنتاجات على رؤية غير سليمة، مما يحدث انقساما داخليا عميقا في البناء الاجتماعي، جراء الرؤية المشوشة وغير الدقيقة على الاطلاق، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، فعملية اتخاذ القرارات تتطلب امتلاك المعلومات الدقيقة، عوضا من الاستناد الى الشائعات، او الظن غير الحسن.

وجود الأصوات الشاذة يعمق الشرخ في الجدار الاجتماعي، فهذه الأصوات تحاول إبراز صورة غير حقيقية، ورسم سيناريوهات خالية بعيدة كليا عن الواقع، مما يساهم في ترسيخ قناعات غير دقيقة، بحيث تقود لاتخاذ قرارات ارتجالية وغير حكيمة، نظرا لغياب الصورة الصحيحة القائمة على الحقائق، خصوصا وان الأصوات الشاذة تحاول تضخيم الصورة الخاطئة، وتكريس الظن السيء على النوايا الحسنة، بهدف خلق حالة من العداء والانقسام الداخلي، لأغراض ذاتية أحيانا، وأهداف كبرى لجهات خارجية في أحيان أخرى.

امتلاك القدرة على المواجهة، وعدم الالتفات الى الشائعات، يمثل الطريق الأقصر لقطع الطريق امام اتخاذ قرارات غير سليمة، خصوصا وان القرارات المستندة على معلومات خاطئة، تحدث بلبلة في الوسط الاجتماعي، نظرا للتأثيرات المباشرة على احدى الفئات الاجتماعية، الامر الذي يقود لحالة من الخصام داخل الكيان الواحد، مما ينعكس سلبا على المسيرة التنموية، ويعرقل التحرك الجمعي، باتجاه خلق بيئة اجتماعية متماسكة.

التعامل بحنكة في التعاطي مع الممارسات المختلفة، يمثل الطريق الأفضل لسبر أغوار الحقائق على الأرض، فالتريث يساعد في اكتشاف الأمور بعيدا عن النوايا السيئة، خصوصا وان بعض الممارسات تظهر منذ اللحظات، بعكس النوايا الصادقة والحسنة، مما يدفع لاتخاذ قرارات ارتجالية وغير صائبة، جراء الضبابية الكاملة المسيطرة على الموقف، بيد ان انجلاء الحقيقة يظهر النوايا على حقيقتها دون لَبْس او غموض، وبالتالي فان الرؤية الواضحة تحدث اثرا كبيرا، في انتهاج الالية السليمة في التعاطي مع الاحداث، بعيدا عن سيطرة سوء الظن، ”إحمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير“.

التحرك الوعي يسهم في رسم سياسة النوايا الحسنة، ”صدق أخاك، وكذب بصرك“، فاتخاذ الموقف الواعي تجاه مختلف الممارسات الظاهرية، الصادرة من البعض يساعد على اسكات الأصوات، الراغبة بالاصطياد في الماء العكر، خصوصا وان الأطراف المخربة تحاول احداث شرخ كبير في الجدار الاجتماعي، من خلال تفسير بعض الأفعال خارج سياقها الطبيعي، ومحاولة اثارة الضغائن في النفوس، من اجل إشعال تارة الفتنة الداخلية، بيد ان امتلاك الوعي وعدم الاستماع لتلك الأصوات النشاز، يحافظ على الاستقرار الاجتماعي، ويمنع حدوث فوضى في البيئة الداخلية، نتيجة وجود رؤية قادرة على القراءة السليمة، البعيدة عن التأويلات المسيئة للفهم.

سوء الفهم مرض اجتماعي يبتلى به البعض، بحيث يقود الى التدمير الداخلي للنفوس، خصوصا وان تغلغل المرض لدى الفئات الاجتماعية، يؤثر على المسيرة الطبيعية، ويعرقل التحركات الهادفة، لمواصلة طريق البناء في مختلف الأصعدة، فانتشار مرض سوء الفهم يقضي على مبدأ التعاون، ويحطم الجدار الاجتماعي، القائم على المحبة المتبادلة، وشياع مبدأ التعاون بين الافراد في مختلف المجالات، وبالتالي فان القضاء على سوء الفهم يمهد الطريق امام التعاضد، والتسامح المتبادل، عبر رفض مختلف التفسيرات المسيئة، باعتبارها وسيلة شيطانية، لا تخدم بقدر ما تدمر شبكة العلاقات الاجتماعية.

كاتب صحفي