آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

حول تشكل النظام الدولي الجديد

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

بدأت ملامح النظام الدولي الجديد في التعبير عن ذاتها، مع انفضاض مهرجان «الربيع العربي»، حين بدأت روسيا الاتحادية والصين الشعبية، في تحدي الإرادة والمواقف الأمريكية، فيما يتعلق بالأزمة السورية، حيث مارست موسكو وبكين حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرارات عدة، ضد النظام السوري.

لقد أشرنا في أحاديث سابقة، إلى أن الفوضى الخلاقة، التي أريد أن ينبثق من رحمها نظام شرق أوسط جديد، قد مثلت مكراً جديداً للتاريخ، وانقلب السحر على الساحر. لقد تحولت تلك الفوضى، إلى عنصر تسريع لولادة النظام الجديد، حين تدخلت روسيا في سوريا، تحت شعار مواجهة الإرهاب. وبسبب هذا التدخل، أعيد الاعتبار للدولة السورية، وأجهضت مشاريع تفتيت القطر السوري، إلى دويلات ومحاصصات على أسس طائفية وأثنية، ومعها أجهض مشروع استنساخ التجربة العراقية، على الأراضي السورية.

ملامح النظام الجديد، العسكرية، لن تختلف كثيراً عن النظام الدولي الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية. فستبقى معنا إلى ما لا نهاية، الحروب بالوكالة، طالما بقي سلاح الرعب النووي، قائماً، مهدداً وجود الجنس البشري بأسره. ستتواصل حروب الوكالة، في ظل النظام الدولي الجديد، كيانات تواجه، بعضها، وقوى إقليمية، تحاول توسيع دائرة مصالحها الحيوية، وميليشيات إرهابية، تتناحر مع بعضها، وتتحدى استقرار وأمن دول بأسرها، كما هو حاصل الآن بالمنطقة العربية.

ستطول مرحلة الفوضى، وربما تبقى معنا عدة عقود، طالما أن هزيمة النظام الدولي القديم، لن تتحقق بالضربة القاضية.

مؤشرات مهمة، في محطة الانتقال التاريخي في السياسة الدولية، ينبغي رصدها. لعل أهمها تمكن الصين من تحقيق اختراقات اقتصادية مهمة، على مستوى جميع القارات.

وروسيا الاتحادية، تحقق اختراقات كبيرة، في مجال مبيعات السلاح، مقتحمة بقوة، أسواقاً جديدة، كانت حكراً في السابق، على الغرب، وعلى صناعة السلاح الأمريكية بالذات.

بل إن روسيا، تمكنت من اختراق دول في حلف الناتو. وصفقة الصواريخ الروسية، التي اشترتها تركيا، «إس 400» هي الأبرز والأشهر بين تلك الصفقات. وقد مثلت تلك الصفقة شرخاً عميقاً في جدار الناتو، وشكلت تحدياً واضحاً لسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

في الأيام الأخيرة، نقلت لنا الأخبار، قيام السلاحين الجويين الروسي والصيني، بدوريات مراقبة مشتركة في المجال الآسيوي، شملت البحار والمحيطات، والمناطق الحيوية في شرق آسيا. وبذلك تقدم البلدان خطوة جديدة، على طريق تحقيق التكامل بينهما، من التنسيق السياسي والاقتصادي، إلى العمل العسكري الموحد، باتجاه مواجهة الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في شرق آسيا.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك، الموقف الروسي - الصيني، من الأزمة السياسية الحادة، بين الإدارة الأمريكية، والحكومة الإيرانية، وتطور ذلك حد تلويح روسيا، بإرسال أساطيلها البحرية، إلى منطقة الخليج العربي، للدفاع عما أسمته بالمصالح الحيوية الروسية، أمكننا استيعاب الحد الذي وصل إليه التشكل الدولي الجديد، المستند إلى التعددية، بدلاً من الأحادية، بما يشكل تغيراً حقيقياً في موازين القوة الدولية، ويضع العالم على أعتاب نظام دولي جديد، مختلف في هياكله وتشكيلاته، وأهدافه، وعناوينه عن النظم التي سادت عالمنا منذ الحرب الكونية الأولى، واستمرت حتى سقوط، حائط برلين في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وانتهت بهيمنة الولايات المتحدة، قوة عسكرية واقتصادية على العالم بأسره، وذلك ما اعتبرناه، واعتبره غيرنا من المحللين والمراقبين، نشازاً في التاريخ الإنساني.

لقد أكدت التجربة التاريخية، أن تغول قوة وحيدة على العالم سيلغي معظم خيارات التطور والبناء وشكل النظم السياسية أمام بلدان العالم.

وسيضع العالم بأسره، أسيراً أمام قوة، طالت بقسوتها، كل أركان الكرة الأرضية. التعددية القطبية، تتيح للضعفاء، كما هو الحال مع بلداننا العربية، فرصة الاختيار، وربما التمرد، ورفض واقع الحال، والإقدام على تبني سياسات تخدم المصالح الوطنية.

وفرصة انتظار انبثاق نظام دولي جديد، ينبغي ألا تضيع، كما ضاعت فرص أخرى في تاريخنا المعاصر، والتليد. وهي فرصة قد تمر عقود طويلة دون أن تتكرر مرة أخرى. فهل ستكون أمتنا العربية، على مستوى التحديات؟