آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:34 ص

القناعة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

القناعات قابلة للتبدل تبعا للظروف الاجتماعية، والمستجدات السياسية، والتطورات الثقافية، فالأمور مرتبطة بالتحولات المتسارعة، وغير المستقرة على ارض الواقع، مما يحدث حالة من المراجعة المستمرة لبعض القضايا، بحيث تتحول ”المحرمات“ الى أمور مباحة ومطلوبة، نظرا لانتفاء المناخ الاجتماعي الضاغط في الفترة الماضية، فهناك الكثير من الشواهد على الانقلاب الكبير، في القناعات الاجتماعية على مر السنوات الماضية، بحيث باتت بعض القضايا المحظورة مباحة، وغير مستنكرة على الاطلاق، مما يعطي دلالة على قدرة التحولات السياسية والاجتماعية، على احداث تغييرات جذرية في التفكير الجمعي.

القناعة ليست قدرا محتوما، او نصا دينيا يصعب تجاوزه، فهي مرتبطة بالتكوين الثقافي والبيئة الاسرية أحيانا، والتأثير الاجتماعي تارة أخرى، وبالتالي فان التخلص من تلك المؤثرات يسهم في تحرير الفكر من العوامل الضاغطة، مما يفتح المجال لإعادة رسم القناعات عطفا على المصالح الدنيوية، والتطورات الحياتية، بحيث تصبح بعض الأمور ضرورة ملحة، وعناصر أساسية، لمعالجة متطلبات الحياة، مما يستدعي انتهاج اليات مختلفة تماما، عن طريقة الأجيال السابقة، او اُسلوب التفكير في الحقبة الزمنية الماضية.

اجراء مراجعة للقناعات الفكرية المسبقة، يفرض إعادة النظر في البعض منها، بحيث تأخذ في الاعتبار الكثير من المتغيرات على الساحة الاجتماعية، مما يؤسس لحالة من الانسجام الفكري مع إيقاعات العصر، خصوصا وان التصادم الفكري مع التطورات الحياتية، يسبب الكثير من الإشكالات، ويسهم في عرقلة انسيابية التناغم، مع التحولات الجارية، الامر الذي يستدعي التحرك باتجاه توجيه الأمور بالطريق السليم، من اجل تفادي التصادم المباشر وغير الضروري، وبالتالي فان المراجعة الدائمة احدى الوسائل للتصالح مع الواقع الخارجي القائم، من خلال التخلي عن التعصب الأعمى تجاه بعض القضايا الاجتماعية، ومحاولة ارتداء نظارة قادرة على رؤية الأمور على حقيقتها، بعيدا عن المكابرة والتعنت الأعمى.

الظروف السياسية احد العوامل الأساسية، في تحريك القناعات الاجتماعية، باتجاهات مختلفة، وأحيانا متناقضة تماما عن القناعة السابقة، بحيث يتحول الرأي العام لمناصرة القناعات الجديدة، والتخلي عن الاّراء السابقة بشكل كامل، مما يعطي دلالة على الدور الكبير الذي تلعبه الظروف السياسية، في توجيه المجتمع نحو قناعات محددة، وبالتالي فان القناعات ليست مرتبطة على الدوام بالضغوط الاجتماعية، او الايمان الكامل بصوابية القناعات السابقة، ”الناس على دين ملوكهم“، بمعنى اخر، فان السياسة قادرة على احداث تحولات كبيرة، في تركيبة التفكير الاجتماعي بصورة سريعة، نظرا لقدرتها على صناعة الرأي العام المناسب، مما يساهم في نجاح المشاريع الساعية، لاحداث تغيرات كبرى في المجتمع.

بالإضافة لذلك، فان الضغوط الاجتماعية احد الأوراق الرابحة، في احداث تغييرات كبرى، في القناعات لدى الافراد، فالمجتمع يمتلك القدرة على ممارسة غسيل الدماغ، لتوجيه الجزء الأكبر من المجتمع، باتجاه مسارات محددة والابتعاد بشكل تدريجي، عن الاّراء المسبقة، خصوصا وان الأدوات المستخدمة لتوجيه الشرائح الاجتماعية عديدة، وغير محدودة ضمن قوالب جاهزة، مما يعطي مساحة واسعة وهوامش كبيرة، للتحرك نحو الهدف المنشود، والمتمثل في لفظ القناعات الماضية، واجراء مصالحة حقيقية مع المتغيرات الجارية.

عملية قراءة القناعات تتطلب وضع حسابات دقيقة، للوقوف على الاتجاهات الصحيحة، بهدف الحصول على البيانات الصحيحة، بعيدا عن التضخيم او التقليل، وبالتالي فان الدخول في المواجهة المباشرة مع مفاتيح الفكر التصادمي، يمثل مخاطرة غير محسوبة النتائج، مما يستدعي استخدام المهادنة او المواربة، والأسلوب غير المباشر، بهدف احداث التغييرات التدريجية في القناعات، بما يحقق التحول المطلوب للتعاطي مع التطورات بشكل إيجابي.

كاتب صحفي