آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الأيام.. التاريخ

محمد أحمد التاروتي *

رمزية الأيام في التاريخ الإنساني، والأثر الديني، ليست خافية على الجميع، فهناك الكثير من الحوادث التاريخية، ما تزال محفورة في الوجدان البشري، وتكتسب أهمية بالغة مع اكتسائها غطاء ديني، حيث تحظى باهتمام كبير مع تقادم الزمن، باعتبارها جزء أصيلا من الأثر البشري، الامر الذي يمنحها مناعة كبيرة في مقاومة اندثارها والقضاء عليها او نسيان من الذاكرة الإنسانية، نظرا لما تحمله من دلالات كبيرة على الصعيد الاجتماعي، والثقافي، وأحيانا الديني، مما يعزز من قدرتها على الصمود في وجه مختلف التيارات الضاغطة، باتجاه التنازل عن تلك الأيام التاريخية.

التمسك بالأيام التاريخية ليس مرتبطا برفض التطور، والركون الى الماضي، او التشبث بالحوادث التي اكل عليها الدهر وشرب، انما يكمن احياء تلك الحوادث التاريخية في المدلولات الثقافية الكثيرة التي تنطوي احيانا وكذلك للثوابت الدينية المرتبطة بها أحيانا أخرى، وبالتالي فان التمسك بالأيام التاريخية يكرس الانتماء الثقافي، او اظهار الهوية الدينية، باعتبارها جزء رئيسيا من التكوين البشري، فالمرء يرفض التنازل عن القيم الثقافية، او التخلي عن الثوابت الدينية، ويقاوم مختلف أنواع الضغوط الاجتماعية، سواء الداخلية او الخارجية، الامر الذي يفسر الإصرار الكبير لدى مختلف المجتمعات البشرية، على اظهار الفرح والاحتفال ببعض الأيام، باعتبارها تعبيرا صريحا عن هويتها الثقافية، وجزء من الموروث التاريخي القديم.

أهمية الحوادث التاريخية تتفاوت تبعا لتأثير في الوجدان البشري، واثرها في الذاكرة الثقافي، فضلا عن دورها المحوري في صناعة التاريخ الاجتماعي، فهناك الكثير من الأيام تحظى باهتمام كبير، لما تمثله من أهمية على الصعيد القومي في حياة الشعوب، بحيث تزداد تألقا مع مرور الزمن، جراء وجودها في الذاكرة الثقافية الاجتماعية بشكل قوي، مما يجعلها محفورة على الدوام في ذاكرة الزمن مع مرور الأعوام، وتعاقب الأجيال، وبالتالي فان محاولة نسفها من الذاكرة الاجتماعية تواجه بمزيد من التعصب او الرفض التام، نظرا لما تمثله من اعتبارات ثقافية وقومية، فيما تكتسب بعض الأيام صبغة دينية، وتحظى بقدسية بالغة، مما يمثل الاقتراب منها، او محاولة مسحها من الوجدان الاجتماعي، بمثابة التعدي على المعتقدات الدينية، وتجاوزا لمبدأ حرية الاعتقاد.

التعامل مع الأيام التاريخية باحترام، وقدسية كبيرة، امر يختلف باختلاف الثقافة الحاكمة، في الوجدان الإنساني، وكذلك تبعا للظروف السياسية، المسيطرة على المشهد العام، فالسلطات الحاكمة تتعامل أحيانا بحساسية مع بعض الحوادث التاريخية، باعتبارها تاريخ غابر ولا يستحق الاهتمام، او التركيز عليه، مما يدفعها لاتخاذ الخطوات النظامية لمكافحة المظاهر الداعمة، لاحياء تلك الأيام التاريخية، فيما تتعامل بعض السلطات الحاكمة بحفاوة بالغة، وتسخر جميع الإمكانيات، لإظهار هذه الحوادث التاريخية، باعتبارها جزء اصيل من الأثر الثقافي، خصوصا وان الظرف السياسي يلعب دورا مؤثرا في اعلاء شأن بعض الأيام، وطمس بعض الحوادث التاريخية، الامر الذي يفسر التباين الكبير في التعاطي مع الاحداث التاريخية، ذاتها بين مجتمع لاخر.

التاريخ مجموعة حوادث بعضها مأسوي، وبعضها مفرح، تلك الاحداث تجد أصداء مختلف لدى المجتمعات البشرية، حيث يعتبرها الطرف المنتصر يوما من الأيام العظيمة في الميسرة الإنسانية، فيما ينظر اليها الطرف المهزوم بنوع من الانكسار، ومناسبة لإظهار الأسى والحزن، خصوصا وأنها تحمل في طياتها الكثير من الآهات، والعديد من الكوارث، وبالتالي فان النظرة للأيام تختلف تبعا لميزان الربح والخسارة، فيما تؤرخ بعض الأيام باعتبارها جزء من الثقافة الدينية، التي تحظى باحترام وتقدير كبيرين، نظرا لارتباطها بمناسبات ذات اثر عميق، في تطهير النفوس من الاهواء، والارتقاء بالذات نحو السمو.

كاتب صحفي