آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

بو طلال كما عرفته «2 - 2»

جميل الجشي صحيفة اليوم

ننتقل الآن إلى جانب آخر من الجوانب المضيئة في حياة أبي طلال، وهو تلك العلاقات الاجتماعية الإيجابية التي جعلت منه مركز خير في كثير من قضايا الوطن. فبعد أن أتم الدورة الثالثة من العمل في الشورى، وبعد خروجه من المجلس، ساهم مع مجموعة صغيرة من زملائه في المجلس بترتيب لقاء أسبوعي، ظاهره اجتماعي، ولكنه يتناول كثيرا من أمور الوطن بالتعليق والنقاش. أعرف من بين هؤلاء الزميل العزيز الدكتور فالح الفالح - حفظه الله -، وكذلك الأستاذ عبدالله الحقيل، أبا هشام، الذي كان اللقاء يتم في مكتبه أو منزله كل أسبوع على ما أعتقد. استمرت هذه اللقاءات حتى قدّر الله وانتقل أبو هشام - يرحمه الله - إلى بارئه الكريم. وهنا لم يكن من الدكتور الشبيلي إلَّا أن قاد الصفوف وفتح قلبه قبل أن يفتح بيته لتلك المجموعة الصغيرة التي كانت تلتقي في بيت أبي هشام. إلَّا أن أبا طلال لم يتوقف على دعوة تلك المجموعة الصغيرة، بل سرعان ما وسّعها ودعا العديد من أعضاء مجلس الشورى المتقاعدين والذين انتهت مدة عملهم بالمجلس للالتحاق بهم، وهكذا تكوّنت مجموعة من خيرة «خريجي» المجلس، حيث أطلقوا على أنفسهم مجموعة «أحدية الشورى» أو لقاء أحدية الشورى. وحيث أني أسكن بعيدا عن الرياض فلم أتشرف بعضويتها، وبالتالي لا أعلم بالضبط من أطلق ذلك المسمى الذي نشأ من كون اللقاء يتم كل يوم أحد ويدوم بين نصف ساعة إلى ساعة يتبادل فيه المجتمعون الأحاديث الودية والخاصة، وقد يتطرقون لبعض الأخبار الهامة في البلد، هذا على حد علمي المحدود بحسب اللقاءات المحدودة التي حضرتها حينما كنت أتردد على الرياض بين حين وآخر، وأجدها فرصة ألتقي ببعض الزملاء الأعزاء الذين عملت معهم في المجلس.

ومن الجدير بالذكر أنه قد نتج عن هذه المجموعة أو اللقاء، كتاب قيم دوّن فيه سبعة أو ثمانية من الإخوان تجاربهم في المجلس، وتحدّثوا عمّا يأملون أن يتطور إليه وضع المجلس بعد البداية الهامة التي عاد بها المجلس أيام الملك فهد بن عبدالعزيز - يرحمه الله -. وقام أبو طلال بتنسيق وإخراج الكتاب والإشراف على طبعه، وهو مرجع جيد أرجو أن يستفاد منه في تطوير أعمال مجلس الشورى في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه -، وسمو ولي عهده الأمين صاحب الرؤية الثاقبة.

وبحكم ارتباط أبي طلال بالإعلام، ولعله قبيل انتهاء مدة عمله في مجلس الشورى، أو بعدها مباشرة، بدأ مرحلة جديدة من النشاط الإعلامي، وهو الكتابة، سواء جاءت على شكل محاضرة يدعى لإلقائها أو مقالة صحفية يكتبها عن حدث معين أو شخصية معينة، بالإضافة إلى ولوجه مجال تأليف الكتب سواء تلك الناتجة عمّا سبق أن ألقاه كمحاضرة، أو نشره كمقالة، أو ككتاب مؤلف من جديد حتى تكونت لديه ثروة من المؤلفات قد تزيد عن خمسين مؤلفا وكلها مسجلة في مكتبة الملك فهد الوطنية لمن يريد الاطلاع عليها.

ولا أدري لحسن الحظ أو لسوئه، أن آخر كتاب نشره كان ذلك السفر القيم عن سيرته العطرة والذي عنونه «مشيناه..» آخذا العنوان من البيت المشهور:

مشيناها خطى كتبت علينا *** ومن كتبت عليه خطى مشاها

ومن كتبت منيته بأرض *** فليس يموت في أرض سواها

وكأنما كان يودعنا بهذا الكتاب القيم الذي أصدره في آخر حياته يرحمه الله، وإن لم يكن يتوقف عن الكتابة بعد ذلك.

وما دمنا في مجال التأليف، لا بد أن أشير إلى اهتمامه بالبحث ومتابعة ما ينشر عن الأشخاص الذين يكتب عنهم أو يتابع أعمالهم، وليس من طريق الصدفة أن يتصل بي قبل شهرين تقريبا من وفاته يطلب مني المساعدة في الحصول على أحد الكتب الذي طبع قبل أكثر من خمس عشرة سنة عن المرحوم بإذن الله علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، ومؤلفه الأستاذ اسحق الشيخ يعقوب بعنوان «موج الحبر». وأخذني البحث فترة حتى حصلت له على نسخة من الكتاب، واتفقت معه على إيصاله لمنزله في الرياض بدلا من إرساله على عنوانه في فرنسا. وبالفعل بعثت الكتاب مع أحد الذاهبين إلى الرياض ليوصله إلى منزل أبي طلال. ولسوء الحظ جاءني خبر الحدث المؤلم وحامل الكتاب في طريقه إلى الرياض مما اضطرني لاسترجاعه، لأقدمه، ومجموعة من مؤلفاته، لإحدى المكتبات العامة باسم أبي طلال، تكريما له وتخليدا لذكراه، يرحمه الله.

ومن الجدير بالذكر أن للمرحوم بإذن الله حتى آخر حياته مناشط ونشاطات رسمية واجتماعية متعددة لا أحيط بالكثير منها، ولكن لا بد من ذكر ارتباطه «بنادي» أو جمعية علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر منذ تأسيسها، بعد رحيل الشيخ الجاسر - رحمة الله عليه - والتي كان ولا يزال رئيسها الفخري خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -.

كما أن أبا طلال ارتبط، وما زال حتى وفاته، بمؤسسة الأمير عبدالرحمن السديري التي أسسها أولاده، جزاهم الله خيرا، وهي مؤسسة ثقافية اجتماعية حسب علمي المحدود.

وأخيرا لابد من الإشارة إلى جهود الدكتور الشبيلي في «اللقاء» الذي أقامه «منتدى الثلاثاء» الذي تأسس في تاروت - القطيف، بجهود مباركة من الأستاذ جعفر الشايب ومجموعة من زملائه الكرام، وأقصد به ذلك اللقاء الخاص بالشاعر الأستاذ خالد الفرج والذي أقيم في قصر الغانم للمناسبات في القطيف، وشرفه بالحضور مجموعة من أعضاء مجلس الشورى الكرام يتقدمهم الدكتور الشبيلي الذي شارك في فعاليات الملتقى بإيجابية، وألقى الكلمة الرئيسية، وكانت محاضرة قيمة عن الأستاذ الشاعر الفرج - يرحمه الله -.

هذه بعض من مساهمات الفقيد التي أعرف بعض الشيء عنها ولكن ما لا أعرفه هو الكثير الكثير، ولكني أكتفي بذكر ما جاء أعلاه، مما عرفته عن المرحوم بإذن الله، أبي طلال، اعترافا بفضله، وتخليدا لذكراه العطرة، أسكنه الله فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان «إنا لله وإنا إليه راجعون».