آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

أصحاب الامام الحسين

عبد الرزاق الكوي

قال تعالى:

﴿والبلد الطيب يخرج نياته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا .

كان أنصار الرسول صلى الله عليه واله وانصار الإمام علي تاريخ مشرف من الولاء والثبات على الحق رغم وعورة الطريق، على قدر كبير من الوعي والإيمان الراسخ والعقيدة الصلبة، وكذلك أنصار الامام الحسين امتاز أنصاره على غيرهم فهم شاهدوا الموت أمامهم لا مفر فثبتوا بكل شجاعة يجمعهم الشرف، مجموعة طاهرة زكية من الشيخ الكبير الى الطفل الصغير، السيد والعبد، الغني والفقير، العربي والأعجمي، تجمعهم راية الحق والدفاع عن المباذئ وحماية الدين. وهم الصفوة الطاهرة في مجتمعهم. يشتاقون للشهادة طمعا في رضا الله جل وعلا، فالإيمان هو العنصر الحقيقي في ثباتهم ونصرتهم للإمام . كانوا يتمنون الموت دون الحسين ولو تكرر ألف مرة.

قال الامام الحسين :

﴿فإني لا أعلم لي أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي .

أن عظمة نهضة عاشوراء هي من عظمة قائدها سيد شباب أهل الجنة، وعظمة الأبطال من أهل بيته بقيادة أبا الفضل والانصار الأبطال بقيادة حبيب بن مظاهر الأسدي. بصمودهم وأصرارهم وأخلاصهم وهم يواجهون ذلك الجيش الجرار الذي ضم في صفوفه أرادل الناس خسة ودناءه وحقارة. اتباع الامام أنهم رجال امنوا واختاروا طريق يوصلهم برسول الله صلى الله عليه واله، وصولا الى رضا الله جل وعلا. ولهذا كانت كربلاء خيار بين الحق والباطل في أوضح صوره بين شرف ال البيت بسبط النبي وبقايا الطلقاء واذنابهم.

قال الامام الصادق :

﴿إنهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم في الجنة .

فقد كانت كربلاء خيار بين الجنة والنار فأختار الحر بن يزيد الرياحي الجنة وكان قريب من النار، وأختار قادة الجيش الأموي النار مفضل عليها الجنة. كان الرجل من أنصار الامام يستقبل الرماح والسيف بصدره ليصل الى رضا الله والجنة. فكتبت أسماءهم من نور خالدة في التاريخ رمزا للشجاعة والتضحية. وصلوا الى أعظم مكانة بما صبروا وتحملوا المشاق الجسيمة وكانوا ثابتين متيقنين من موقفهم.

قال رسول الله صلى الله عليه واله:

﴿خير ما القي في القلب اليقين .

فاليقين صفة ذات مراتب ودرجات، وقد نال أعلى درجات اليقين أصحاب الإمام الحسين، يرون الموت أمامهم وهم مستبشرون فرحين. أن يقينهم يتمثل بأنهم يرون الرسول صلى الله عليه واله معهم يستبشرون بلقائه والاستشهاد تحت لواءه. تبصروا وادركوا طريق الصراط المستقيم فتمسكوا به بدون خوف ولا تردد كانوا على هدى. كانوا متيقنين من عدم بقائهم مع ذلك أكملوا المسيرة مستبشرين بنصر ابدي يوصي بعضهم بعض حبا وفناء من اجل الامام الحسين.

قال الإمام الحسين :

﴿والله لقد بلوتهم، فما وجدت بينهم إلا الأشوس الأقدس، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه .

ولهذا بقوا خالدين في التاريخ تتناقل الأجيال ذكراهم وتكتب قصصهم وسيرهم المظفرة وبطولاتهم الخالدة شكلوا في يوم كربلاء قصة الفداء العظيمة والتضحية الصادقة واليقين الثابت، مثلوا كل معاني النبل. كأعظم نهضة في تاريخ البشرية تمثل التكامل في جميع ثوابتها ومسيرتها

وقال :

﴿إني لا أعلم أصحاب خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر من أهل بيتي

مواقف بطولية تنم عن أصالة وسمو كتبت بالدم حريا أن تقتدى وان تذرف الدموع حزنا على مصابها تهيج الأنفس انه الإيمان الذي سكن القلوب. اندفعوا مقدمين الأنفس مشكلين مسيرة الأحرار، لتكون للبشرية من بعدهم معلم للفداء، ومدرسة في السمو والنقاء، متخذين إمامهم وسيدهم قدوة، وطنوا أنفسهم على الشهادة وكانوا صادقين وانتصر دمهم على السيف.

قوم إذا نودوا لدفع ملمة والقوم بين مدعس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا يتهافتون على ذهاب الأنفس

عافوا الحياة فيالهم من فتية. سكنوا الجنان وألبسوا من سندس

كانوا فتية من طراز فريد قلما يجود الدهر بأمثالهم، بلغوا ألى درجات الولاء والوعي فاختاروا خير خاتمة لهم. وهذا ما هو الا النزر القليل الذي وصلنا من مواقف وبطولات الحسين وأصحابه بسبب التضليل الأموي والإعلام الفاسد المدفوع الثمن.

سبق عطاء شهداء كربلاء قرابين أبرار سبقوا أقرانهم وكتبوا أسمائهم في هذا السفر المقدس، بمداد دمائهم الطاهرة، وكانت شهادتهم لا يضارعها شرف آخر.

من النماذج المشرفة والشجاعة من أنصار الامام الحسن قيس بن مسهر رضوان الله عليه، أثناء مسير الإمام الى كربلاء أرسله برسالة إلى الكوفة، فأقبل قيس إلى الكوفة بكتاب الإمام الحسين، حتى انتهى إلى القادسية،، وأعتقله قائد جيش ابن زياد الحصين بن نمير، وأراد أن يفتشه فأخرج قيس الكتاب فخرقه فبعث الحصين قيس إلى أبن زياد، فلما وصل إليه قال له من أنت؟

قال قيس بكل شجاعة أمام رجل من أقسى قساة البشرية، أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين وأبنه عليهما السلام.

قال: فلماذا اخرقت الكتاب؟

قال قيس: لئلا تعلم مافيه.

قال ابن زياد: وممن الكتاب وإلى من؟

قال رضوان الله عليه: من الامام الحسين السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.

فغضب مثال الشر والقسوة ابن زياد وقال: لا والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتلعن الحسين بن علي وأباه وأخاه وإلا قطعتك إربا إربا.

فقال قيس: اما القوم فلا أخبرك بأسمائهم وأما لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل.

فصعد رضوان الله عليه المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وأكثر من الترحم على الامام علي والثناء على الإمام الحسين وقال أن الحسين بن علي خير خلق الله وأبن فاطمة بنت وسؤل الله، ثم لعن المجرم عبيد الله بن زياد وأباه، ثم قال: أيها الناس أنا رسول الحسين إليكم وقد خلفته في الطريق إلى الكوفة، فأجيبوه فأخبر أبن زياد بما قاله قيس فأمر اللعين بإلقائه من أعالي القصر، فألقي وكان من أوائل شهداء مسيرة الامام الحسين، كان رمزا للشجاعة بأعلى مكانتها لم يتزحزح قيد أنمله وهو يواجه جبروت ابن زياد.

بلغ الرسالة كاملة غير منقوصة بدون خوف أو تردد أو توسل من أجل إنقاد حياته، كان أمين على ما أتمنا عليه. فبلغ قيس أعلى درجات الشهادة، ليس كشهيد عاديا في سوح الجهاد بل قدم أمثولة للشجاعة قل نظيرها لتبقى خالدة مدى الدهر. أنه الصمود في زمن ندر فيها الصامدون. لم يكن رضوان الله عليه من حملة الرسائل بل كان من حملة المبادئ الذي عدمت في جيش الشام والكوفة.

علو في الحياة وفي الممات لعمرك تلك إحدى المكرمات

كان أمة في رجل في ظل تراجع الكثيرون من حوله وتخلي قبائل وعشائر معروفة عن نصرة إمامهم.

لما نقل إلى الإمام الحسين نبأ شهادة قيس بن مسهر ترقرقت عينا الحسين ، ولم يملك دمعه.

أما في كربلاء القداسة والعزة والشرف كان أنصار الإمام في ليلة العاشر من محرم الحرام، لهم دوي كدوي النحل بين ساجد وراكع ومتجهد بالذكر الحكيم. يتسابقون من أجل نيل كرم الشهادة. أحد الانصار يقول:

«والله لو علمت أني أقتل، ثم أحيا، ثم أحرق، ثم أذر، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك يا ابا عبدالله، حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك، وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا؟!».

وآخر يقول:

«والله يابن رسول الله لقد من الله بك علينا ان نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاءنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة».

اما جون مولى أبي ذر رضوان الله عليهم ممن تشرب الولاء إلى ال البيت، من سيده الصحابي الجليل أبي ذر، فخامر هذا الولاء والحب دمه، لذلك حين طلب منه الإمام الحسين الانصراف وعدم تعريض نفسه للقتل، خاطب الحسين قائلا:

«إني في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم، والله إن ريحي لنتن وإن حسبي للئيم ولوني لأسود فتفضل علي بالجنة، فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود بدمائكم».

فالننظر إلى خاتمة هذا المولى الطاهر وخاتمة الحر بن يزيد وجميع أنصار الإمام الحسين ، وخاتمة بن سعد وأعوانه.

كانو رضوان الله عليهم من الثبات والقوة والصلابة ما يؤكد قوة الدافع ونزاهته. علموا الأجيال دروسا في العقيدة الثابته وما تفعله في نفس الإنسان، والإيمان الصادق والاعتقاد الراسخ، لا تغيره الخطوب ولا قساوة الظالم، لقنوا أعدائهم قبل اتباعهم دروس الآباء

فبقى جون مولى أبي ذر شامخا، وانتهى حال ابن زياد وأسياده وأعوانه مزابل التاريخ.