آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

مع الحسين «5»

محمد أحمد التاروتي *

وضعت رسالة الامام الإمام الحسين ، لإخيه محمد بن الحنفية الأمور في مواضعها الصحيحة، نظرا لما تحتويه من وضوح كامل، واستشراف كبير للمستقبل، فقد اعتبر سيد الشهداء خروجه فتحا كبيرا، ومرحلة جديدة في تاريخ الامة الإسلامية، اذ تمثل معركة كربلاء الخالدة انعطافة كبرى في المسيرة الإنسانية، وخطوة متقدمة وسابقة للزمن وفقا للمفاهيم السائدة آنذاك، حيث رسخت مفاهيم جديدة في التعاطي مع الأوضاع غير السليمة، التي تكابدها الكثير من المجتمعات البشرية، خصوصا وان حادثة الطف شكلت صدمة كبرى، في التاريخ الإنساني والإسلامي، على حد سواء، نظرا للتداعيات والارهاصات، التي تركتها منذ اشتعالها في يوم عاشوراء.

الدروس العظيمة التي كرستها معركة الطف، لدى الضمائر الحرة سواء في المجتمع الإسلامي، او المجتمعات الإنسانية تمثل ابرز مصاديق ”الفتح“ الذي شكلته على مدى القرون الماضية، فالمعركة تجاوزت السقف الزمني، والمساحة الجغرافي الصغيرة، لتخترق الحدود الطبيعية مختلف انحاء العالم، بحيث ساهمت في انارة الدروب، لدى احرار العالم بمختلف اصنافهم، مما يمثل حالة فريدة لم تسجلها جميع المعارك الحربية، التي نشبت على مر التاريخ البشري، وبالتالي فان ”الفتح“ يتجاوز الاطار الضيق الذي يتبادر الى الاذهان، ليبحر في أعماق الضمير الإنساني، ويحرك المشاعر الإنسانية، التواقة لاستنشاق هواء الحرية، والانعتاق من سلاسل الظلم والقهر.

”الفتح“ يمثل عملية ضرورية لكسر الحالة السلبية، التي تعشعش في بعض الضمائر الانسانية، من خلال إعطاء محفزات قادرة على الخروج من حالة الركون والاستسلام، الى الرفض وكسر القيود المعنوية والمادية التي تمارس على الانسان، وبالتالي فان ”الفتح“ يمثل الظاهرة الأكثر قدرة على خلق واقع مغاير للحياة السابقة، مما ينعكس إيجابيا على المسيرة الذاتية أولا، والتطور الكبير على الساحة الاجتماعية ثانيا، جراء الانخراط في معركة جديدة اكثر اشراقا من الحالات السابقة.

معركة عاشوراء ترجمت ”الفتح“ على ارض الواقع، حيث بدأت تباشير التحولات الجذرية، منذ اللحظات الأولى، لانطلاقة الصراع مع الجيش الاموي، فالتموجات التي احدثتها في نفوس الجيش المقابل، كبيرة وعميقة للغاية، الامر الذي تمثل في ايقاظ الضمير لدى بعض جنود جيش الكوفة، من خلال التحول صوب معسكر الحسين ، نتيجة المراجعة العميقة وانطلاق الصراع الداخلي بين الجنة والنار، بحيث مثل تحول بعض الجنود احد ملامح ”الفتح“، الذي شكلته معركة كربلاء الخالدة.

رسالة سيد الشهداء الموجزة والقصيرة، التي بعثها الى أخيه محمد بن الحنفية، ومن قبله من بنى هاشم، فهذه الرسالة لا تتجاوز السطر الواحد، وتحتوى على كلمات قليلة للغاية، ولكنها تحمل الكثير من المضامين، وتؤسس لمرحلة جديدة، مغايرة تماما للمراحل السابقة، التي عاشتها الامة الإسلامية طوال العقود الستة، وبالتالي فان الرسالة تشكل وثيقة ذات أهمية بالغة، في تاريخ النهضة الحسينية، فهي لا تقل أهمية عن الخطب العديدة، التي سجلتها الكتب التاريخية للامام الحسين سواء التي سبقت معركة الطف او خلالها.

سيد الشهداء سطر كلمات ذات مدلولات كبيرة، وتتطلب التوقف كثيرا للتعرف على بعض المضامين، المجسدة لتلك الرسالة الهامة، حيث يقول في الكتاب الذي بعثه لاخيه محمد بن الحنفية ”أما بعد فإن من لحق بى إستشهد ومن لم يلحق لم يدرك الفتح“، وبالتالي فان ”الفتح“ الذي يقصده الامام الحسين يتجاوز الاطار المادي، والذي يقتصر على تحقيق النصر، او الحصول على المكاسب الدنيوية، وانما يتجاوز ذلك كثيرا ليغوص في الضمائر الإنسانية، من اجل تأسيس اتجاهات رافضة للسكوت، والتحرك الفاعل لتصحيح المسارات الخاطئة، في المسيرة الإنسانية.

كاتب صحفي