آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 12:40 م

مع الحسين «6»

محمد أحمد التاروتي *

واصل سيد الشهداء بيان أسس نهضته في خطبته التي القاها في منطقة «البياضة»، عندما اعترض طريقه جيش الحر الرياحي اثناء مسيرة الى الكوفة، حيث حملت الخطبة القصيرة الكثير من العبارات القوية، التي تستوجب التوقف عندها، خصوصا وأنها ركزت على مقاومة الظلم والجهر بقول الحق امام السلطان الجائر، باعتباره تكليف شرعي على المسلم، فالخطبة تحاول استنهاض الضمائر الميتة، لاسيما وأنها كانت امام أصحابه وجيش الحر المكون من ”الف“ فارس.

الخطبة التي القاها في منطقة «البيضة»، لا تخرج عن التسلسل الزماني والمكاني، الذي اتبعه سيد الشهداء منذ اللحظات الأولى، لإطلاق شعار الرفض الكامل لجلوس يزيد بن معاوية على كرسي الخلافة، حيث اتخذ منهجا واضحا في إيصال رسالته للرأي العام، فبعد تمسكه بموقفه الرافض لمبايعة يزيد بن معاوية في المدينة المنورة، عمد لايضاح هدفه من المسير الى ارض العراق، اثناء خروجه من مكة المكرمة، بهدف إزالة الغموض الذي اعترى البعض خلال تلك الفترة، وبالتالي فان القراءة المتأنية لتسلسل الخطب التي القاها سيد الشهداء ، في مختلف المواقع الجغرافية التي توقف فيها، تؤشر الى نتيجة واحدة تتمثل في تحريك المجتمع الإسلامي، باتجاه نصرة الحق والوقوف امام المخطط الاموي، الهادف الى ادخال بعض الممارسات الخاطئة في البيئة الإسلامية.

التركيز على الظلم والجور في الخطبة في منطقة ”البيضة“، يهدف الى تسليط الضوء على المبادئ النبيلة التي يحملها سيد الشهداء ، فضلا عن كونها رسالة واضحة للطرف المقابل بضرورة مراجعة الذات، وعدم الاستمرار في مناصرة الباطل، انطلاقا من مبدأ الوقوف امام الجور والظلم الذي تمثله السلطة الاموية الحاكمة، وبالتالي فان الخطبة تمثل صرخة مدوية للتمسك بالدين الإسلامي، حيث جاء في الخطبة ”أيها الناس، إن رسول الله ﷺ قال“ من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسُنة رسول الله ﷺ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفي‏ء، وأحلّوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق من غيري، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم: أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم"..

حملت الخطبة الشفافية والوضوح في التعاطي مع الاحداث، فهي تكشف الحقائق امام الجميع، من خلال اعتماد المصارحة والخطاب المباشر، خصوصا وان المرحلة الزمنية الحساسة تتطلب اعتماد الخطاب الصريح عوضا من المجاملة، لاسيما وان التاريخ اهل الكوفة حافل بنكث البيعة ونقض العهود، مما يستدعي وضع النقاط على الحروف، فالتاريخ سيسجل جميع المواقف الصغيرة منها والكبيرة، اذ عمد سيد الشهداء للتذكير بالاعمال الاجرامية، التي مارسها اهل الكوفة ابان خلافة سيد الاوصياء ، وكذلك التخاذل عن نصرة اخية ”الامام الحسن“، فضلا عن الغدر بمسلم بن عقيل، حيث يقول ”فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله ﷺ، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهلكم، فلكم فيّ أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنُكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرور من أغترّ بكم، فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته“

كاتب صحفي