آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:36 م

إنتصار الدم على السيف

عبد الرزاق الكوي

كتب الإمام الحسين بدمه الشريف مسيرته الطاهرة لتبقى مخلدة على مدار التاريخ الإنساني وحتى قيام الساعة، فإن أعظم القربات عند الله جل وعلا، ان تسيل الدماء فداء لقيم السماء ورضا الخالق، فيكون العطاء رباني بين العبد وخالقه، فعطاء الدم يبقى مخلدا ومقدسا من اجل بناء مجتمع إيماني.

فالعطاء بمجمله عظيم وينم عن روح طاهرة وعقيدة ثابته بشكل عام ويبقى عطاء الروح أغلى وأثمن العطاء والأكثر رسوخا والأطول بقاء، ففيه استمرار المثل العليا وجودة الحياة، فهذا العطاء للخلص من العباد، الناجحون فيه اهل البيت ومن تبع خطاهم وتمسك بمنهجهم، فهذا الامام علي روى دين الله جل وعلا بدمه الطاهر مدافعا عن الرسول صلى الله عليه واله والرسالة، خاض الحروب وانتصر للإسلام اثكل بالجراح، وكانت ختام حياته مسك، كانت مسيرته ارفع وأحل العطاء يحمل نفسه بين كفيه، اختار له الله جل علا الولادة في بيته وختم له الحياة في بيت من بيوته، فخلد وتباه به الله تعالى الملائكة، واكمل المسيرة المظفرة سيد الشهداء الامام الحسين ، فبعد مشاركته في معارك امير المؤمنين يختم مسيرة الشرف على أرض كربلاء المقدسة.

تركت الخلق طرا في هواكا وايتمت العيال لكي اراكا

فلو قطعتني بالحب أربا لما مال الفؤاد الى سواكا

اذا كان للعطاء اسما فالحسين معناه وإذا كان للتضيحة وجودا فالحسين النموذج له، وإذا بقى للإيثار مكان فحسين روحه، أعطى للإنسانية كرامة وعزة ومكانه كيف تكون انسان.

لو قدم الامام الحسين دم أبنه عبدالله الرضيع الذي ذبحه اللعين حرمله من الوريد للوريد لكان مخلدا به، والطفل بين يديه يتعفر من حرارة السهم، فكيف والامام الحسين قدم دمه ودم ابناءه وإخوته وانصاره، فذاء لتكون للحياة معنى، في ظل ما اقترفه أعداءه من تزييف وحرب شعواء نفذه سليل زياد بن ابيه وهذا الاسم يكفي.

فالدماء في كربلاء كانت دماء الرسول الأكرم، وويعسوب الدين، وسيدة نساء العالمين، وسيدي شباب اهل الجنة، قطرة من دمهم الشريف توازي دماء منذ خلق الله الانسان حتى تقوم الساعة، سالت في كربلاء عصر يوم العاشر من محرم الحرام، كان المحك في ذلك اليوم يتطلب دم الحسين في مقابل بقاء الدين، فمن لهذا غير ابي عبدالله الحسين، قطرات دمه اليوم تحيي الأمم، وتولد كل يوم حياة تنادي بحزن ياحسين ملبية نداء الواجب لتستمر مسيرة العطاء، فالجميع يجد ضالته في هذا اليوم، فتكون العبرة مع العبرة، في جو من العشق الى سيد الشهداء، بكاه النبي صلى الله عليه واله في يوم مولده وفي منازل كثيرة فما مصير من ابكى من كان رحمة وحبيب رب العالمين.

سال الدم الشريف ليصل لنا النداء، ونحن ننادي في مجالس الامام الحسين لبيك ياحسين، كانت شهادته من اجل ان يصلنا الدين، سأل إبراهيم بن طلحة الإمام السجاد من الذي غلب في كربلاء، فقال له الإمام إذا دخل وقت الصلاة فأذن وأقم تعرف من الغالب. إشارة منه الى بقاء الدين والصلاة الذي أراد أعداء الدين القضاء عليه. فكانت شهادته واجب انقاد الدين وفضح المنافقين وبقاء الحق وهزيمة الباطل.

فاليوم يستمر عطاء الامام وشيعته، ويستمر سفك الدماء على الأيدي الشريرة وامتداد لقتلة الامام الحسين، في كل مكان بأسم الدين والدين برآء من افعالهم الإجرامية، نشروا الرعب في قلوب الأبرياء، قتلو الأنفس بغير ذنب قطعوا الرؤوس وأخذوا النساء سبايا، انه التاريخ يعيد نفسه، امتداد الباطل يمثله امتداد الحسين رافعين رايته، فكما انتصر الحسين اليوم يندحر جيش البغي داعش في كثير من الأماكن. وتبقى راية الحسين خفاقة.

اتباع اهل البيت اليوم يتبعون خطى الأنبياء في بكائهم على سبط النبي، بالدمع والدم، في عاشوراء من كل عام تتجلى عظمة حب الخير والتكافل البناء من اجل نيل الشرف بمشاركة الامام الحسين مصابه، ان نقتدي بالإمام ونقدم قطرات من دماءنا لمن يحتاج، يقدم محبي الامام أنموذج مشرف للعالم مما تعلموه من إمامهم عطاء من اجل الانسانية، واحياء للعطاء الأكبر من قبل سيد الشهداء، فالمتبرعين بدمائهم يقدمون في عاشوراء الامام الحسين عطاء تماشيا مع أهداف الامام الذي انقد الانسانية بعطائه، ان نقدم الدماء لمن يحتاجها، قربة لله تعالى والأجر والثواب وشفاعة الإمام في يوم نحتاج الشفاعة.

يتسابق أعداء الله في إراقة الدماء ويتسابق محبي الإمام الحسين بالتبرع بدماءهم. وان تكون في ميزان حسنات المتبرع وان تكتب هذه الدماء مع دماء اصحاب الحسين في كربلاء.

فاليوم تعاني المجتمعات نقصا حاد في الدم وقلة المتبرعين، فكل ثلاث ثواني هناك شخص يحتاج الى نقل دم، هذا العمل الخيري ينقد الآلاف من المرضى على مشارف الموت والفقراء الذين لا يستطيعون دفع تكاليف شراء دم، وأمهات يرقدنا في غرف الولادة وأطفال وكبار مصابين بسرطان الدم كفانا الله واياكم الم المرض، وكذلك ضحايا الحروق والحوادث المختلفة.

وانت تقرأ هذه الكلمات يوجد أشخاص ينتظرون قطرات من الدم. فكثير من الاعمال تنسى الا عطاء الدم ففيه استمرار الحياة لنكون مع امام المتقين علي وسيد الشهداء الحسين. ولنعرف اليوم للعالم مظلومية الامام بأفعالنا وعطاءنا.

ورغم ان هذا ليس موضوعنا وان غاية المتبرع رضا الله وعمل الخير ومشاركة الامام مصابه، فإن التبرع بالدم له فوائد جمه للصحة بشكل عام، حيث يخفض الإصابة ببعض السرطانات لدى المتبرع، ويقلل التعرض لجلطات القلب، والنوبات القلبية، والنزيف الدماغي، وتنشط نخاع العظام، وهناك أمراض علاجها التبرع بالدم.

تقديم الشكر والتقدير للمتبرع قليلا في ما ينتظره بمشيئة الله من الأجر والثواب، وان يعيش الرضا في داخل نفسه بما قدمه مشاركة لإمامه في ايام محنته ومعاناته، أن تسود ثقافة المودة والتراحم بين أفراد المجتمع، تعكس امتدادا راقيا لتجسيد أحد أهداف نهضة الحسين في واقعنا المعاش.

دم الحسين رفع للسماء ودماء المتبرع ترفع درجات من القبول، وعزاء لفاطمة الزهراء ارواحنا لها الفداء، صاحبة المصاب وهي ترفع قميص الحسين الملطخ بدماءه الطاهرة مطالبة بالقصاص من القتلة، ان تشملنا بركاتها ونحن نشاركها في مصابها.

نعم التجارة التجارة مع اهل البيت، ثمارها رضا رب العالمين.