آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

إرادة حسينية لا جبريّة

ليلى الزاهر *

تقول الكاتبة الإنكليزية فريا ستارك :

«إن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء»

المشاهد المؤلمة على مسرح كربلاء كثيرة يصعب على التاريخ تطويع جميع إمكانياته لرصدها ، ولكن ما وصلنا من بطون التاريخ غلّب الأسى والحزن في قلوبنا وحرّك المشاعر بڤولت قوي لهول الجرم الذي اشتكته كربلاء.

من كربلاء الصمود تجلّت أروع الصفحات البيضاء التي تلوّنت بدماء الحسين عليه السلام فوضع سلام الله عليه أجمل سمات النبل والعطاء في زمن لايجود إلا بالدماء وسط مصالح دنيوية صرفة . وحيث الحسين عليه السلام تتجلّى المعرفة الحقيقية لله تعالى لأن دماء الحسين امتزجت بدماء خير البشرية صلى الله عليه وآله .

وعندما يقول سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا..» نعرف حقيقة مهمة جدا وهي أن الحسين لم يخرج خروجا عشوائيا وليس ذلك الخروج غير مدروس وإنما كان خروجه بإهداف إلهية تفتقت عن إرادة حسينية غير جبرية.

فقد حمل فكر جدّه الثاقب ونظرته الحكيمة للأمور . والسيد القائد في زمانه بدت عليه ملامح العبقرية مع مشارف طفولته فهو بلا شك سيد شباب أهل الجنة وأشبه الناس بجده المصطفى .

روى محمد بن سيرين ، وأخته حفصة ، عن أنس قال: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين، فجعل يعبث بقضيب في أنفه ويقول: ما رأيت مثل هذا حسنا.

فقلت له: إنه كان من أشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فمن يملك الجمال النبوي والجلال الفاطمي لابد أن يمتلك الرؤية الصائبة بكفاءة عالية .

لقد حقّ لكربلاء أن تشمخ رافعة رأسها

فقد تحققت أمنية سيدي الحسين عليه السلام في أحضانها فكان من نِتاج استشهاده عليه السلام

بقاء الدين بهذا الصفاء والنقاء بعيدا عن الزيف وحب الدنيا .

لقد كانت بصمته سلام الله عليه بصمة قوية مشرقة لاغروب لها «لايوم كيومك يا أبا عبدالله»

ففي كل لحظة وفي جميع بقاع العالم يحلو ذكر الحسين عليه السلام على لسان أحبابه وعشاقه .

وكأني بالإمام الحسين يلوّح لأنصاره يوم عاشوراء وهم يهتفون لبيك ياحسين .

ومن أعماق كربلاء يخرج الحزن والنصر معا وتشرق الأفئدة بحب ذلك الرجل الذي ظلّ وحيدا يُردد كلمة التقوى ليصبح سفينة النجاة لمن ركبها .

ويتجدد الحزن على مصابه ويظل سقف العالم يعلو بذكر الحسين وصبر زينب وشموعها الخافتة في الظلام ربما لأنها تبحث عن طفلة في ساحة كربلاء أو تتفقد الآلام المنبعثة من آل رسول الله عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.

طالما خلعتُ أقراطي من أذنيّ بعناية .

لذلك كنت أشعر بلوعة الحزن والأسى ويحترق قلبي على أطفال الحسين وهم يسلبون أقراطهم بوحشية فتسيل الدماء من آذانهن ويلتحفون سواد الليل دموعهم صامتة وشرايينهم تنبض بشوقٍ للحسين عليه السلام .