آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 3:44 م

أم البنين (ع) قمة التضحية

عبد الرزاق الكوي

لا يمكن ان تمر ذكرى عاشوراء التضحية دون ان تذكر احد صاحبات العزاء، ام البنين وما ادراك من امرأة عظيمة، طلب الامام علي من أخيه عقيل:

«ابغني امرأة قد ولدتها الفحول من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا».

فكانت هذه المرأة الجليلة القدر العظيمة المنزلة، السيدة فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة الكلابية، أختار امير المؤمنين في ام البنين طهارة البيت ورجاحة العقل والإيمان الراسخ والكمال في الآداب وجليل الصفات، سألت الحسن والحسين ان تكون لهم خادمة، فكانت نعم الام ونعم المربية، ارتبط حسبها ونسبها مع اطهر وازكى بيت فيه امير المؤمنين وسيدي شباب اهل الجنة ، فتكاملت مكانتها وبرزت شخصيتها، وأكملت المسيرة في الاهتمام بشؤون سبطي الرسول صلى الله عليه واله، اعتبرت كل ذلك في سبيل الله جل وعلا، ورضى الرسول الأكرم، وتحت ظل سيدة نساء العالمين فاطمة ، تجسدت في شخصية ام البنين معاني التضيحة والفداء والفضيلة، بموقفها من ابناء رسول الله صلى الله عليه واله. وجد فيها سيدي شباب اهل الجنة الأم الحنون المضحية بكل ما تملك من مشاعر صادقة واحاسيس فياضة، للسهر على راحتهم ورعايتهم وتفضيلهم على نفسها وأولادها ، فثمن لها اهل البيت هذه التضحية العظيمة والعطاء الوفير وجل معاني النبل والوفاء الصادق فكانت لها منزلة ومكانة وحب وتقدير عند أهل البيت .

أصبحت وهي العظيمة المكانة في أهلها وفي بيت امير المؤمنين رمزا انسانيا خالدا ومثالا يقتدى به ويشار له بالبنان علما وعملا صالحا وأخلاقاً وجهاد متواصل في نصرة الحق والهدى في عصر امير المؤمنين والفتن المحدقة ومسيرة الامام الحسن وما تعرض له من تخادل، حتى بلغت المراتب السامية والإجلال العظيم إخلاصاً وبسالة في زمن الامام الحسين وهي العالمة بكل الأحداث المحدقة بالإمام وما يجري عليه من قبل أعداء الاسلام، وأعداء الرسول صلى الله عليه واله، انجبت السيدة الجليلة أربعة أقمار وعلى رأسهم قمر بني هاشم ابا الفضل العباس ، جمال وخلقا وشجاعة فلا غرو فهو ابن امير المؤمنين بطل الاسلام الخالد، وابن ام البنين سليلة الأبطال وسادات العرب وإشرافهم وزعمائهم اباء وأخوال عرفهم التاريخ بأنهم فرسان العرب في الجاهلية والإسلام تكلم التاريخ عن بسالتهم، عائلة كريمة صاحبة فضل وعفة وورع وديانة، فالتاريخ كتب عن بسالة ابا الفضل ولازال يكتب واذا ذكرت الشجاعة والفداء والتضحية ذكر قمر بني هاشم.

ارتبطت ام البنين حبا قبل ولادة العباس وإخوته بسيدي شباب اهل الجنة فهنيئا لها وهي ترعاهم وتحفهم بحنانها، فهم مع امهم فاطمة الزهراء في انتظار هذه السيدة الجليلة على أبواب الجنان، بما قدمت واعطت، وربت ابنائها على الذوبان في سيدي شباب اعل الجنة، فكل ام مهما وصلت من قوة وصلابة تضعف عند غريزة الأمومة، فهيا نقطة ضعف كل ام فما يعادل حب الابن الا الروح وهي قليلة فداء له، تسهر على راحتهم، تقلق لمرضهم، تتحمل جميع مصائب الحياة وتضعف امام فلذات الأكباد، انها الفطرة زرعت في الروح والقلب المرهف. كانت كأي ام تحب ابنائها محبة عظيمة وخصوصا قمر بني هاشم مثال للكمال الخلقي جمالا وخلقا شجاعة قل نظيرها.

ربت السيدة الجليلة ابنائها من اجل رعاية وحماية والدود عن سيدي اهل الجنة، وكانت المهمة المناط بهم ان تربيهم من اجل كربلاء، فهي تشاهد امير المؤمنين يقبل يدي ابا الفضل العباس ويبكي، وتسأله هل في ولدي عيب، فيخبرها ما سوف يجري على الامام الحسين وابا الفضل وإخوته والعائلة في كربلاء. وما هي المكانة العظيمة التي سوف ينالها العباس في هذا الطريق من قبل الله تعالى والرسول الكرم صلى الله عليه واله.

فكانت رغم فطرتها وحبها لأولادها كانت راضية ان تقدم النفس والنفيس من اجل ابناء فاطمة الزهراء ، كانت التربية متجلية في بطل بني هاشم وهو يقول في كربلاء:

والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين. نجل النبي الطاهر الأمين

هذه العظمة والشجاعة لأبي الفضل العباس تجلت في قول الامام الحسين حين استشهد ابا الفضل:

«الان انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي».

فقد كان ابا الفضل حامل اللواء جيشا متكاملا شجاعة وفداء وإيثار، يدب عن حرم اهل البيت ، وهو وصي وكفيل العقيلة زينب عليه من قبل الامام امير المؤمنين .

ام البنين حين تسمع الناعي ينعي مصارع كربلاء عند رجوعهم الى المدينة، تخرج مذهولة لم تسأل عن ابنائها سألت عن الامام الحسين ، يسأل الناعي عنها فيقال له هذه ام البنين ، فأراد ان يخفف عنها هول مصابها في ابنائها، ويخبرها بالتدريج عن مصاب واستشهاد احد ابنائها وهي تقول سألتك عن الحسين، فبعد ان اخبرها باستشهاد الامام الحسين انهارت ووقعت على الارض متألمة حزينة، وبعدها تسأل ام البنين زينب هل بيضوا وجهها عند فاطمة الزهراء بدفاعهم عن سبط النبي صلى الله عليه واله.

انها من اصحاب المصاب في ابنها الامام الحسين وإخوته ، في يوم وليلة تفقد اطهر وأغلى من على هذه الارض، بعيدين غرباء عنها، تصلها الاخبار ان اجسادهم مزقت ورؤوسهم قطعت.

لا تدعوني ويك ام البنين، تذكريني بليوث العرين، كانت بنون لي ادعى بهم، واليوم أصبحت ولا من بنين، أربعة مثل نسور الربى، قد واصلوا الموت بقطع الوتين، تنازع الخرصان أشلائهم، وكلهم أمسى صريعا طعين، ياليت شعري أكما اخبروا، بأن عباسا قطيع اليمين.

أفنت حياتها الطاهرة عطاء فبقت مخلده في التاريخ يقتدى بفيض من سمو أخلاقها مثال لصفاء النفس ورمزا للتضحية وعبق من الإيثار وعنوان للثبات والبسالة وحسن الخاتمة، تحملت برضا نفس مع كل الالم واللوعة بكل الصبر على المكاره في سبيل الحق.

للمقدس الشيخ محمد علي اليعقوبي قصيدة في رثاء أم البنين :

وإن أنس أم البنين وقد فقدت ولدها اجمعا

تنوح عليهم بوادي البقيع فيذري الطريد لها الادمعا

ولم تسأل من فقدت واحداً فكيف بمن فقدت أربعا

ولا سيما مثل أولادها فقد بلغوا المنزل الأرفعا

فلا غرو فالأم أم البنين ووالدهم من سما موضعا

ويوم الطفوف بحد السيوف. أبان إلى المجد من أسرعا

ومن ذا الذي كان يسقي العيال ويطوي على الظمأ الأظلعا

إلى أن هوى عند شاطي الفرات فخط له في العلا مضجعا

وإخوته قد مضوا قبله فلله من شاهد المصرعا

فنوحي عليهم فما مثلهم نسى او سلي فاهملي الادمعا

ومن كان يدعوك أم البنين فقولي له ذهبوا أجمعا

فلا تدعوني أم البنين فدارهم أصبحت بلقعا

فياليت يومهم لم يكن وياليت ناعيهم ما نعى

أذاب فؤادي وأوهن قواي وأذهب عيني والمسمعا

فليس غريبا ان تحظى ام البنين التي قل الوجود لنظيرها وارعدت السماء لمصابها وافجعت القلوب بتضحيتها ان تحظى بالمكانة العظيمة عند اهل البيت واتباعهم، حبا وكرامة وجليل مكانة في قلوبهم، أصبحت مهوى القلوب وباب من أبواب الحوائج، رزقها الله جل وعلى هذه المكانة في الدنيا، وفي الآخرة الجزاء الأوفى، من قبل الرسول وأهل بيته .