آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

ذكرى شهادة زين العابدين

عبد الرزاق الكوي

تمر علينا هذه الأيام وبعد المصاب وفاجعة كربلاء بشهداءها واحداثها الجسام، ذكرى استشهاد الامام علي بن الحسين السجاد ، عاش لحظات معركة كربلاء وشاهد اخوته وأعمامه وابناء أعمامه والإمام الحسين صرعى على ارض كربلاء، والجيش الأموي يقوم بتمزيق الاجساد وقطع الرؤوس كل ذلك ماثل امام عينيه وبعدها سبي بنات رسول الله صلى الله عليه واله.

لم يكن من شهداء معركة كربلاء لمرض الامام زين العابدين كانت لحكمة إلهية بالغة، حيث قتل جميع رجال اهل بيته ولم يسلم من المجزرة الدموية احد، كان عمره الشريف في معركة كربلاء ثلاثا وعشرون سنة، وعاش بع الفاجعة أربعة وثلاثون سنة في العهد الأموي ظلم ومحن وحصار وتكتم إعلامي، قضى هذا العمر المؤلم والظالم بالقيام بالدور المناط به، من اجل المحافظة على الدين وإيصال مظلومية الامام الحسين ، وما قام به الجيش الأموي من اجرام ليس بالقتل فقط بل بالتمثيل بالأجساد الطاهرة وسبي اشرف اهل الارض عند الله جل وعلا.

فكانت سيرته الطاهرة ودوره الفعال بعد معركة كربلاءعلى خطى وسيرة جده رسول الله صلى الله عليه واله وامتداد لمن سبقه من الأئمة 0 فلكل إمام دور يقوم به تختلف ظروف المعركة ويبقى الهدف واحد، حسب تكليفه وعصره الذي يعيشه، فقد كانت حياتهم مكرسة لبقاء الدين، فكما جاء النبي صلى الله عليه واله ليتمم مكارم الأخلاق، خرج الامام الحسين للإصلاح في أمة جده يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والإمام زين العابدين يواصل القيام بهذه الرسالة، فالإمام وهو المعصوم، تهمه مصلحة الاسلام وحماية الدين يعمل حسب مقتضى الواقع السياسي والاجتماعي، وان بقاءه بعد معركة كربلاء كان لهذا الدور الفعال وفي غاية الأهمية.

بدأ نهضته ومسيرته الخالدة بعد واقعة كربلاء حيث غادر مودعا الاجساد الطاهرة متجه مع بنات الرسالة وهم سبايا مكبلين بالحبال يتصفح وجوههن القريب والبعيد والشريف والدني حتى قالت ام كلثوم :

«والله لقد خزينا من كثرة النظر إلينا فياليت السماء انطبقت على الارض والجبال تدكدكت».

من هول الفجيعة وكبر المصاب ان يفعل ببنات الرسول ما يفعل، اما الامام السجاد فثقل الأغلال تنهك جسده المريض، يتعرض للضرب حينا والتهديد بالقتل حينا اخر، دافع العقيلة زينب عنه من القتل حين هم مجرم الانسانية بن زياد بقتله، دافعة عن بقاءه حيث انه الامام المفترض الطاعة من بعد استشهاد ابيه الامام الحسين ، وعلى عاتقه القيام بالدور الرسالي والتبليغي والإعلامي، فكان له كلمات وخطب في مجالس القتلة، حيث شاهد والسبايا الظلمة وهم ينكثان بالقضيب ثنايا الامام ابي عبدالله الحسين موضع تقبيل جده الرسول له حبا ومكانة، كان كل ذلك العمل الإجرامي انتقاما من الرسول صلى الله عليه واله والأئمة من بعده، حيث أحقادهم على امير المؤمنين قاتل المشركين وناصر الدين لم تزل ماثلة في اذهانهم حقدا وبغضا وكراهية.

فكان الدور الاول للإمام زين العابدين إعلامي ان يعرف الناس ان ظلامة وقعت على الحسين وأهل بيته والقاتل حي يرزق يواصل ظلمه وهتكه للأعراف الاسلامية والتقاليد الانسانية، فقام الامام السجاد مع العقيلة زينب بهذا الدور الإعلامي، بكشف الزيف والتزوير وطمس الحقائق. ومن بعد الكوفة والشام الدور الإعلامي والرسالي استمر خمسا وثلاثون سنة من حياته الشريفة جهادا في ظروف غاية الصعوبة والخطر والمراقبة في ظل قيادة لا تتورع عن التنكيل والقتل.

فبدأ بمواصلة مسيرة من سبقوه من الأئمة فمنهم من قتل في محراب الصلاة بعد مسيرة جهادية حافلة بالدفاع عن الاسلام، وعمه الامام الحسن وجهاد حافل وصراع مرير مع بني أمية حيث استشهد مسموما، ومن بعده الامام الحسين صريعا بأرض كربلاء، وما حدث بعد الامام السجاد ومن أتى من بعده من الأئمة كان لكل واحد من الأئمة دور مؤثر وأسلوب مختلف والغاية حماية الدين والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر.

كان طوال عمر الامام السجاد وقضية الامام الحسين حيه في كل لحظات حياته، مع أكله وشربه يتذكر عطش الامام الحسين واصحابه فيبكي فيبكي من حوله، وفي السوق وفي جميع تعاملاته يبكي ابيه ويذكر الناس مظلوميته، ويشرح لهم سبب بكائه المستمر حيث شاهد مصرع الامام الحسين وجميع من معه، اراد ترسيخ الفاجعة في ادهان الناس فعندما يسمعه الناس يبكي يعرفون لماذا هذا البكاء وما سببه، وقامت ثورات بعد شهادة الامام الحسين ضد القتلة، وإسقاط الأقنعة التي يغطي بها محاربي الدين والعاملين بالمنكر وجوه افعالهم المشينة وتحميل ابناء المجتمع مسؤوليتها امام الله جل وعلا.

عمل الامام جادا بعد ان انتشرت في المجتمع البدع وتزييف التاريخ والبعد عن الدين وانتشار الأفكار الضالة والمنحرفة الدخيلة على المجتمع الإسلامي، وتعطيل الحدود، كان يصارع جيشا من المطبلين من أغراهم المال والجاه، اخد طريق الدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح لحماية الدين، والعبادة الصادقة لاستمرار بقاء القيم، والصلاة من اجل ترسيخ الروح الاسلامية، في ظل وضع في غاية الخطورة وقلة الناصر وكثر الأعداء والجواسيس والأعين، كل. لك لم ترهبه من اداء واجبه حسب الظروف والإمكانيات وهو القائل بكل شجاعة:

«القتل لنا عادة وكرامتنا على الله الشهادة».

قام ببناء جيل إيماني حيث كان يشتري العبيد ويعلمهم مباديء الدين الصحيح وتعاليم الاسلام والعقائد الحقة واخلاق الرسالة ويعتقهم حتى يقومون ويأدون دورهم التبليغي واستمرارية الحالة الإيمانية في المجتمع، يشاهدهم الناس ويختلطون معهم ويتعلمون تعاليم الرسول صلى الله عليه واله الحقة. فقد كان بكاءه وعبادته وادعيته وتربيته جيلا متعلما ومعلما، يعتبر سيفا مسلطا على رقاب قتلة الامام الحسين واعداء رسالة الاسلام.

قد قبست المجد من خير أب وقبست الدين من خير نبي

وضممت الفخر من أطرافه سؤدد الفرس ودين العرب

لم يتحمل أعداء الانسانية مشروع الامام السجاد الجهادي والدعوي ونشر قيم الدين، حيث بفعله يعطل مشروعهم في اخد الأمة بعيدا الدين، بعد ان استوفى الظلمة كل الوسائل من اجل اسكات صوت الحق وكل وسائل الترهيب والتهديد والحصار والإقامة الجبرية، فكان الخيار القتل فأرسل الى والي المدينة المنورة من قبل الشام الأمر بقتل الامام السجاد ، فاستشهد بالسم في 25 محرم الحرام عام 95 وله من العمر 57 سنة، ودفن في البقيع.

فاليوم العالم مع حزنه على معاناته والظلم الذي عاشه، ينعم بفيض أدعية الامام السجاد وما تخلق من جو إيماني وعرفاني، من نعم الله جل وعلا ان نكون من التابعين لهذا الخط الطاهر.