آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

«ياما في الحبس فنانين»

رائدة السبع * صحيفة الرأي السعودي

فكرة السجون اخترعها أفلاطون وأصحابه - إن صح التعبير - وتوارثتها الأنظمة والحكومات، ويعد السجن عقابًا أبديًا ليس للمجرم بل لعائلته بأكملها، إذ مازال المجتمع والمؤسسات الحكومية والأهلية تعامله بصفته «مجرم» حتى بعد إتمامه المدة اللازمة، وحتى لو خرج محملًا بشهادات حسن السيرة والسلوك.

وعلى ذكر العقوبات قرأت ذات مقالة أن قاضيًا في مكة المكرمة ويدعى محمد آل عبدالكريم، قد حكم على متحرشين ومتعاطين وسارقين بعقوبات تتراوح بين تنظيف مرافق عامة وتعلم القراءة والكتابة والعمل لأربعين ساعة في مجمع طبي، أما عالميًا تم إغلاق أربع سجون في السويد واستبدلت العقوبة بالخدمة الاجتماعية وتم تأهيل السجناء طبيًا واجتماعيًا ونفسيًا.

بحكم عملي في المستشفيات لطالما كانت فكرة رؤية أحد المحكوم عليهم في قضايا مختلفة في أروقة المستشفى، وهم مكبلين بالأصفاد الحديدية في اليدين والرجلين، فكرة مؤلمة، فهو بالنسبة لي مريض حتى وإن كان سجينًا.

تفاجأت خلال الجولة التي قمنا بها في اليوم الوطني لسجن المباحث العام بمدينة الدمام، بوجود مستشفى متكامل ومستقل في إدارته ويضم عيادات تخصصية مختلفة وأقسام أشعة ووحدة غسيل للكلى ويعمل المستشفى بسعة 32 سريرًا، ويعمل به عشرون طبيبًا مقيمًا واثنا عشر متعاونًا من خارج المستشفى وستون ممرضًا.

وخلال الزيارة لفتت نظري لوحة كتب عليها برنامج إدارة الوقت، لم تكن لوحة بل كان كرنفالًا متكاملًا يحصل النزيل فيه على امتيازات عديدة، ويدير الوقت فعليًا للنزلاء الذين تنطبق عليهم الشروط ومنها الانضباط، أما في قسم المهن كان هناك سبعة خياطين يقومون بخياطة وإعداد ملابس زملائهم والملابس الرياضية، ومن المثير للدهشة أن النزلاء أعدوا 22 ألف علم وقميص وقبعة ومطوية وهي الأعلام التي امتلأت بها شوارع القطيف في اليوم الوطني وتم رفع أعلى سارية في المحافظة كل هذا تم من خلال هؤلاء النزلاء.

هناك أيضًا مركز إعلامي يقوم بإدارة وتحرير وإعداد مجلة دورية ثقافية، رياضية، فكرية متنوعة باسم مجلة «إدارة الوقت»، هذا ليس كل شيء، بل هناك نادي الفنون التشكيلية الذي يعبر عن ذائقة ساحرة ومدهشة تتجلى في رسومات النزلاء.

بالنسبة لي هي تصريح مؤقت للخروج إذا ما استفدنا من قدرة النزيل على إدهاشنا بطرق أخرى غير الجريمة، وأخيرًا قسم المكتبة الذي يحوي كتبًا فكرية وفلسفية وثقافية.

كانت رحلة مضنية ومدهشة في آن واحد، أتمنى أن يتم تطبيق نموذج برامج المستشفى وبرنامج إدارة الوقت في جميع سجون السعودية إن كان ولابد من وجود السجون.