آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 9:58 ص

ندامات من ماتوا

المهندس هلال حسن الوحيد *

هل فكرتَ يوماً أيَّ شيءٍ كنت تندم عليه وتأسى بحرقة لو كان هذا اليوم أو هذه الساعة هي كل ما تملك قبل أن يزمجرَ قطارُ رحلة الموتِ بالمسير؟ هو فكرٌ لا نستدعيه في العادة خشيةَ أن يصبحَ واقعاً ونموت، بعيداً عن العين بعيداً عن العقل. ولكن هذا بالضبط ما يجب أن نسأله ونحن فوقَ قمةِ الشباب قبلَ أن يأتيَ زمنٌ نهبط وادي العمر ونقول: آهُ لو عادَ الزمان!

كتبت ”بروني وير“ عن آخرِ ساعاتِ وحسراتِ من عاشت معهم واعتنت بهم من كبارِ السنِّ فترةً  ودونت أهمَّ خمسةَ أمورٍ ندموا عليها قبيلَ الموت في مذكراتها ”أهم خمسة أشياء يندم عليها من يحتضر“. بروني هي امرأةٌ أسترالية شبه رحالة زرات الشرقَ الأوسط وعملت في كثيرٍ من الأعمال قبل أن تشتغلَ ممرضةً تعتني بمن يصطفونَ في طابورِ الموت. حين قرأت مذكراتها أدركتُ أن الإنسانَ يأتي الحياةَ في لحظاتٍ ويذهب في لحظة. قالت بروني عن حياةِ الشرق الأوسط أنَّ الناسَ فيها رقيقو القلوب ويميلون لجوِّ الأسرة الحميم وهم من أكثرِ الناسِ الذين التقتهم في حياتها كرماً، أبوابهم وقلوبهم مفتوحة لكلِّ شخصٍ يلتقيهم.

يذكرنا من اعتنت بهم أن لكلٍّ منا ساعة يقرأ فيها ماضيه ويقول: أوف لو عادَ العمرُ جديداً لتركتُ هذا أو عملت هذا، لكن قانون الحياة يمنع من تكرار الأماني الكبيرة في عودةِ العمرِ من جديد. كان فيما صمتوا عن ذكرهِ من المال والجاه والعمل والأسفار والزينة والضغينةَ والحقد يشبه ما أبَّن الحكماءُ فيه الإسكندرَ المقدوني ساعة موته! وإليك الخمسةَ ندامات التي دونتها بروني على لسانهم:

أولاً: ”أتمنى لو أنني امتلكتُ الشجاعةَ لأعيش الحياةَ التي أردتها لنفسي لا الحياةَ التي توقع مني الآخرونَ أن أعيشها“.

كان هذا أعمَّ ندمٍ بينهم إذ رأوا فيه الكثيرَ من أحلامهم تذهب أدراجَ الرياح وجلهم لم يحقق حتى نصفَ أحلامه، وماتوا مدركين أن السبب وأداة التغيير كانت في أيديهم.

ثانياً: ”أتمنى لو أنني لم أعمل بجهدٍ شديد“.

كل الرجال الذين اعتنت بهم على شفيرِ الموت تلهفوا على ما فاتَ من وقتٍ كانوا أحوج أن يقضوه مع صغارهم ونسائهم لكنهم قضوه مشغولين بالعملِ والمال. ”جون“ الذي كان في التسعينَ من عمره قال: كم كنتُ أحمق، الآن أحتضر وحيداً! في إحدى الليالي توسلت إليه زوجته أن يتقاعدَ عن العمل فلديهما ما يكفي من المال. نظر إليها واكتشف أنها امرأة تعاني وحدتها بدونه وأنهما أصبحا مسنين. ترك العمل لكن ماتت زوجته ”مارجريت“ بعد ثلاثة أشهر فقط ومات بعدها بفترةٍ قصيرة.

ثالثاً: ”تمنيتُ لو أنني امتلكت الشجاعةَ للتعبيرِ عما في مشاعري“.

كثيرٌ ممن اعتنت بهم كبتوا مشاعرهم من أجلِ السلامةِ مع الآخرين وكان ناتجها أن انتهوا في حياةٍ أقل مما كانوا يطمحون، مرضَ الكثيرُ منهم حين أخفوا المشاعر والشحناء التي كانت تسكنهم دون أن يجدوا لها مخرجاً.

رابعاً: ”أتمنى لو أنني بقيتُ على تواصلٍ مع أصدقائي“.

كم منا يشبه هؤلاء الأشخاص على أسرَّةِ الموت؟ علاقاتٌ نبنيها وننسجها طوال عمرنا، ثم تأتي شرنقةُ الحياة التي تغلفنا في عالمنا الخاص وفجأةً لا أحد يعرفنا سوى الممرض والطبيب!

خامساً: ”أتمنى لو أنني سمحتُ لنفسي بمزيدٍ من البهجةِ والسعادة“

كان أكثر من اعتنت بهم، كما نحن، يدركونَ أن السعادةَ خيار بأيديهم، لكنهم لم يسمحوا لأنفسهم ولو للحظاتٍ أن يكونوا أغبياء وسخفاء يضحكون ويمرحون!

نختلف كلنا على أي شيء كان يجب أن نتركه وأي شيء نفعله، وكلنا نتفق ألو عدنا للحياةِ مرةً ثانية لكتبنا صفحاتها من جديد، لكن ليس من عادةِ الأيام أن تعود...

مستشار أعلى هندسة بترول