آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

ورقة من صفحات الذاكرة

المختار والعمدة

أحمد منصور الخرمدي *

منذ زمن ليس بالقصير، وأجد العديد من أصدقائي، ومن أعز عليهم يؤكدون لي هذا المطلب، يدعونني لأن أكتب عن والدي الحاج منصور بن محمد بن علي الخرمدي «1339 - 1418» الذي يعرفه جيل الآباء والأجداد في جزيرة تاروت، وربما لم يعاصره اغلب الجيل الحالي، فالحديث عنه يعني الحديث عن حقبة زمنية هامة من تاريخ جزيرتنا الغالية.

وكنت دائما أخاطب نفسي: كيف لي أن اكتب عنك يا أبي؟ أني لخائف بأن لا أجيد ذلك التاريخ الصعب والذي حمل الكثير من الصعاب والمخاطر.

ألحوا علي، بل أن بعضهم أبدى تعاونا منقطع النظير في تزويدي بالمعلومات التي خفيت عني، ولم أعرفها، ولم أدرك كنهها، أو ربما لم أع ما تعني.

فأردد دائمآ رحمك الله ياوالدي، لقد مرت سنون عدة على رحيلك، ولا زلت ماثلا في ضمير أبناء المجتمع، وما زال من عاصرك يذكرك بخير.

اشعر بالعجز التام خوفآ أن لا أوفي، كما أنني أخشى لأن تعاودني الهموم وينتابني الحزن، وتتجدد علي المأساة التي طالتني برحيلك عني، وعن العائلة، وعن أبناء المجتمع، يكفي أن العديد ممن عاصرك يحمل ذكريات عديدة، ومواقف كثيرة، وأحداثا، ربما كان النسيان يريد أن يطويها، لكنها ماثلة في سماء الذاكرة.

إن والدي الحاج منصور محمد علي الخرمدي - ابو أحمد، مع والدتي الحاجة زهراء بنت حسن آل سالم - ام أحمد، وهي من أهالي الربيعية، توأمان نذرا نفسيهما لخدمة المجتمع، ابتغاء لمرضاة المولى جلا شأنه، وبحثا عن مجد عند العزيز المقتدر، خاصة وإن مشاكل المجتمع كانت كثيرة، وهمومه عديدة، ولكن الباب كان مفتوحا على مدار الساعة.

إن والدي يرحمه الله لمن لم يعرفه فقد ولد في بلد اسلافه حي الديرة في جزيرة تاروت، وعاش فيها مع العائلة، وكان منزلهم في وسط الديرة القديمة مع العوائل الكبيرة المحترمة، قبل أن ينتقل إلى الدشة، ثم إلى الربيعية، وكان قبل أن يصبح مختارا ثم عمدة لجزيرة تاروت تاجرا، لديه محل في الديرة، وقد تم ترشيحه من قبل الأهالي وحصل على دعم وتأييد وتزكية من قبل اهالي وأعيان البلد وعدد من أعيان القطيف ومنهم المرحوم سماحة الشيخ عبدالحميد الخطي والذي تحدث معي شخصيآ خلال تواجدي بالمحكمة في إصدار صك حصر ميراث بعد وفاة والدي «رحمه الله» وبقوله لي رحمه الله، ببشاشة وجه وابتسامته الأبوية الحنونه التي تعودناها من سماحته «ترى أحنا من رشحنا ابوك عمده» وتم تعيينه على المنصب عمدة لبلدة تاروت وتوابعها في عهد المغفور له صاحب السمو الأمير عبدالمحسن بن جلوي أمير المنطقة الشرقية، عام 1377 للهجرة بعد مضي ما يقارب أربعة عشر سنه ما يسمى وقتها مختار للبلدة، وقد خدم في العمدوية ما يقارب الثلاثون عامآ بمجموع ما يزيد عن الأربعون سنة خدمة متواصلة، وفي هذا الصدد لدي وثيقة تعيينه وهي صغيرة لا تتعدى طول وعرض الكف!!

إن جزيرة تاروت تعرف جيدا هذا الرجل، لكن عددا من معاصريه وأصدقائه ومجالسيه قد رحلوا عن عالم الدنيا «رحمهم الله جميعا» وبعضهم لازال على قيد الحياة «اطال الله أعمارهم في صحة وعافية» ولعلي في هذه العجالة أذكر من بعض العوائل التي كان لها ارتباط كبير مع العائلة منذ القدم حتى الآن، عائلة الشيخ «آل سيف» المعلم، المسحر، الصفار والمعيبد، الصغير، آل محمد حسين، البصارة، آل حيدر، الدعلوج، الصادق، المشور، الشكر، العبد الغني «على منصور»، القطري، الحبيب، المطوع، المعتوق، الحماد، آل نوح، الصيرفي، الخطي، أبو السعود، بن نصر الله، الفارس، سليم، العلويات، الحجاج، القلاف، حليل، الملالي، البيابي، المختار، الفردان، السنونه، الزاير، الوحيد، الدبيسي، المعتر، المحاسنه، العبد الواحد، السني، المحسن، الأحسائي، الحساوي، الطريفي، المعيلو، حماده، اسليس، المهر، المطر، الشايب، المسيري، العيد، أبو زيد، المبشر، الزريقي، أبو عتابه، الدهان، الشيوخ، المحروس، القروص، الطوال، اليوسف، المخلوق، المهندر، آل خاتم، النابود، آل ضيف، القيصوم، آل قنبر، العصيص، الدرورة، النهاش، آل تركي، ابو الرحي، السهوان، المضوي، أجليح، ابو كبوس، الكويل، آل فريحين، الفتيل «المدن» الفسيل عائلة الربابي، عائلة المتعب، عائلة الماء، الخباز، العقيلي، الطويل، الحسن، الدخيل، الثنيان... وغيرهم العديد «سوف نذكر بالتأكيد المزيد من كافة المناطق بالجزيرة وغيرها وبالتفصيل لا حقآ» ومن لهم تجاره في السوق العام بتاروت كان تواجده ومعروفه لمن يقصده من الأهالي وهم كلا من الحاج علي بن رضي الصفار، والحاج علي المعلم، والحاج علي بن ابراهيم التاروتي، والحاج عون الجنوبي، والحاج علي الصادق، والمطوع والحبيب بسنابس والصادق والحجيري بالربيعية وأذكر محلاتهم ومواقعهم، فضلا عن أن وجوههم الكريمة حاضرة في ذهني.

وأذكر أيضا ما سطره قلم سعادة الدكتور جميل الجشي حفظه الله والذي كانت له لفته جميلة يشكر عليها بذكر سيرة والدي بكتابه تراث الأجداد ص 420 ص 305 وتعيش في ذاكرتي عددا من أعيان الجزيرة الذين ليس بوسعي ذكرهم، حيث سيطول بنا المقام، ألا أنه كذلك لا بد من الإشارة إلى أسماء بعض العوائل التي ينتمي لها والدي وهم أبناء عمومته وأخواله، عائلة المتروك والدبيس «و هذه العائلتين تحديدا الذي ننتمي لهما قبل أستبدال اللقب بالخرمدي» والذي سوف نتناول الحديث لاحقآ، ومن أبناء عمومته الكرام عائلة الحليو وآل عوجان والنطعة وغيرهم سوف نذكرهم بشكل أوسع في كتابنا المرتقب، والذي سوف يتناول بعون الله العديد من النقاط والحقبات الزمنية منها على سبيل المثال: المولد والشباب، الزواج والأعمال الأولى، ترشيحه مختار لتاروت ثم تعيينه عمدة، ومن أبرز النقاط ذات صلة بالمهنة.. العمدة وعلاقة المجتمع، العمدة والأمن، العمدة والبلديات، العمدة وإصلاح ذات البين، العمدة والأسر الفقيرة «الضمان الاجتماعي» العمدة واعيان البلد، العمدة والتجار، العمدة والبحارة، العمدة والخراريص «حصر زكاة النخيل» العمدة والعسس «حراس الليل في الأسواق» العمدة والأحداث منها أسباب الحرائق المتكررة التي أجتاحت بعض مزارع البلدة فترة طويلة من الزمن حتى عام 1400 للهجرة، العمدة وعاشوراء، العمدة والخطباء والمشايخ، العمدة وقضايا الأهالي، العمدة وخطابات الشكر والثناء من الأهالى والجهات الرسمية والجمعيات الأهلية وغيرها، العمدة والصلاحيات المعطاة له، ومن أبرز ما قيل من عاصر تلك الفترة الطويلة من عمله، العمدة المحامي، صاحب ايادي بيضاء لكل فرد من أفراد جزيرة تاروت.

وفي الكتاب العمدة وطلب التقاعد بسبب المرض «ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب» وسوف تذكر لاحقآ كثيرآ من الأمور الهامة والتاريخية التي تعني الجزيرة وعضوية العمدة في اللجان المشكله كعضو خبرة التي من اختصاصها حل الكثير من القضايا ورفع الاراء والمقترحات للجهات المعنية والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر في اللجنة المشكلة لأراضي مخطط الجامعيين والدخل المحدود وذلك سنة 1403 هجريه.

وأنا في هذا الصدد لا أنسى حسن علي دهنيم هذا الرجل أطال الله في عمره، الذي كان بحق كاتبا لخطابات الوالد ومن اهل ثقته، وكان والدي رحمه الله يحمل ختمه الرسمي، يمنح كافة طالبي توقيعه في أي وقت وبكل ثقة وبسهولة ويسر وللمساعدة وقضاء حاجات أهالي مجتمعه.

اشكر كل من طالبني بالكتابة عن والدي، وأعدهم خيرا، وأطلب منهم مساعدتي لرصد الحوادث التي مرّت، وكان فاعلا خلالها، فالوالد كان عمدة ومصلحا اجتماعيا ويمتاز بشخصية قوية ومؤثرة وما هو جدير بالذكر ان والدي قد عاش معي بعد تقاعده سنوات عديده في مدينة الرياض خلال فترة تواجدي على رأس العمل بالقوات الجوية، وتوفاه الله بتاريخ 5 / 5 / 1418 هجرية، بمستشفى القوات المسلحة بالرياض حيث كان يتلقى العلاج، رحم الله والدي ورحم الله والدتي رحمة الأبرار وأسكنهما فسيح الجنان وحشرهما مع محمد وآل محمد الأطهار، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.