آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 11:10 ص

‎الواقع.. المبادئ

محمد أحمد التاروتي *

التحرك وفق متطلبات الواقع المعاش قناعة راسخة لدى البعض، من خلال اعتماد الاليات المنسجة مع التيارات السائدة، فاذا كانت ”براغماتية“ فان المرحلة تتطلب انتهاج هذه الطريقة، باعتبارها اللغة القادرة على تحقيق الأغراض، والغايات المرجوة، وبالتالي فان الحديث عن المبادئ والقيم الأخلاقية لا يعدو عن كونه مثاليات، ليست قادرة على التأقلم مع العصر، والواقع المعاش، الامر الذي يفرض التعامل بواقعية، بعيدا عن المثالية المفرطة، والتي لا تجلب سوى الخسارة، والضياع في الغالب.

التمسك بالمبادئ صفة أخلاقية كبرى، بيد ان النتائج المرجوة من وراء انتهاج هذه الطريقة، لا تشجع على الاطلاق، فالمرء مطالب على الدوام بقراءة الواقع المعاصر، للانطلاق نحو تحقيق أهدافه، ورسم مستقبله بالطريقة التي تتواكب مع أدوات المرحلة، الامر الذي يفرض التخلي عن جزء من المنظومة القيمة، كونها ”بضاعة غير قابلة للعرض“، فضلا عن عدم وجود اطراف راغبة في اقتناء هذه البضاعة، مما يعني ان المبادئ في ظل التحولات الكبرى، في الممارسات الإنسانية، ليست قادرة على تحقيق جزء من التطلعات، او بعض الأهداف، وبالتالي فان المبادئ يصعب ترويجها في الفضاء الخارجي، مما يعني ان مكانها الطبيعي ”بطون الكتب“، وبعض المحافل العلمية البعيدة عن التعاطي الواقعي.

وجود اطراف تسير باتجاه معاكس مع المبادئ، وامتلاكها مفاتيح الأبواب المغلقة، يمثل احد المحفزات للتنازل عن القيم الأخلاقية، خصوصا وان تلك الأطراف غير راغبة، في تغليب المثل الأخلاقية، على المصالح الشخصية، مما يعني ان التحرك وسط الأجواء المشحونة بالنظرة الواقعية، يمثل ”انتحارا“ او خروجا عن السياق العام، انطلاقا من قاعدة ”حشرا مع الناس عيد“، وبالتالي فان المرء مطالب بالنزول قليلا عن الشجرة، والجلوس مع القواعد الشعبية، مما يستدعي وضع بعض المبادئ جانبا، والعمل بما ينسجم مع الواقعية المعاشة، باعتبارها ”العملة“ القابلة للتداول في مختلف المجالات.

النظرة غير الواقعية للمبادئ، تدفع باتجاه تغليب ”المصلحة“، على القيم الأخلاقية، اذ لا يوجد تناقض كبير بين التعاطي مع لغة العصر، والتمسك بالمبادئ، فالمرء قادر على إيجاد حالة من التوازن، في الكثير من الممارسات الحياتية، وبالتالي فان اكتساب الاحترام، او تحقيق النجاح، ليس مرتبطا بالانسلاخ الكامل، عن القيم الأخلاقية، بقدر ما يمثل التمسك بالمبادئ عنصر قوة، واحترام لدى جميع الأطراف، عبر ”الوفاء بالعهد“، فيما الطرف الثاني يعتمد البراغماتية في التعاملات اليومية، مما يفرض عليه الانسياق وراء بعض الاعمال، غير المقبولة على الاطلاق، ”اذا وعد اخلف“.

الواقعية ليست مدعاة للتخلي عن المبادئ، فالوصول الى الأهداف مرتبط بوجود قواعد ثابتة، وليس مرتبطا بطغيان الانتهازية او التملق، لاسيما وان الواقعية تمثل عنصرا دافعا للبحث عن الأطر، والطرق المناسبة لتكريس المبادئ في المعاملات، فاذا اتسمت الواقعية بالخداع فانها تخرج عن مسماها، وتدخل في باب ”الكذب“ والمراوغة، الامر الذي يشكل ظاهرة خطيرة، ومرض فتاك ينخر المجتمع من الداخل، نظرا لانعدام القيم الحاكمة في التعاملات اليومية، وبالتالي فان التحرك وفق نسق ”الواقعية“، لا يعدو عن كونه هروبا من الاستحقاقات الأخلاقية، فالبعض يحاول تبرير بعض الاعمال غير المقبولة، بقوله ”هذه لغة العصر“، بمعنى اخر، فان رفض مبررات الواقعية ”الكاذبة“ عملية ضرورية، لتكريس القيم الفاضلة في الكثير من الممارسات اليومية، بهدف القضاء على القناعات الراسخة لدى البعض، نظرا لما تمثله من انقلاب كبير، في منظومة القيم الأخلاقية، تجاه البيئة الاجتماعية، وكذلك بحق الفطرة الإنسانية السليمة.

كاتب صحفي