آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

شذرات حكيم

ياسين آل خليل

‏كل فرد منا يمارس نمط حياة من العيش، هو فريد ومتميز عن الآخر. لكن يا ترى مع كل ذلك التمايز، هل توقفت يومًا لتسأل نفسك، لماذا تقوم بذلك العمل، أو أن يكون السؤال مغايرًا، كأن تسأل لما لا تكون أعمالك متماشية مع طموحاتك؟ أنا وأنت، قد تعودنا على نمط معين من الحياة، وقد يصل بنا المقام لأن نرفض أوامر التغيير حتى عندما تأتي من أنفسنا. لقد ارتضينا أن نستمر على ما نحن عليه من سلبية، ودون أن نُحدث أي تغيير على نمط الحياة الذي تعودنا عليه لسنين، وربما نكون أسعد مع هذا الوضع أبدًا ما بقينا. إذا تُركنا وحالنا، ودون تدخل أحد ما فيما نفعل.

أن تكون فطنًا هو أن تكون حاضر البديهة، أن تكون إجاباتك سريعة ودقيقة، إضافة على أن يكون أداؤك العقلي ثابتًا وأمام ظروف متباينة. لذلك يُتوقع من الإنسان الفطن، أن يتوقف ويسأل نفسه عن كل صغيرة وكبيرة، وأن يأتي بإجابات مقنعة، تجعله يستمر في نفس نهجه الحياتي، أو أن يسعى لتغييره. أما أن تكون حكيمًا، فأنت تتميز بقدرة على التفكير والتصرف الواعي، بأن تستخدم معرفتك وخبراتك الحياتية، وبصيرتك وحسك السليم، لتأخذ قرارات تتجاوز فيها ذاتك.

تصحو باكرًا، تغتسل، تتوضأ، تستقبل القبلة وتصلي، بعدها تمارس نمط حياتك الروتيني، والذي تعودت عليه لسنين. هل سألت نفسك إذا كانت صلاتك قد غيرت شيئًا ما بداخلك؟ هل دفعتك صلاتك لتغيير بعض سلوكيّاتك الخاطئة، أو أنها حفّزتك لعمل المزيد من الخير لنفسك وأسرتك ومجتمعك، أو أن تلك الصلاة لم تتعدى كونها عادة اكتسبتها كغيرها من العادات، فحافظت عليها حتى تحولت إلى جزء لا يتجزأ من نمط حياتك الذي تمارسه على مدار العام؟

نعم تزوجت كما يفعل الآخرون، لكن هل تزوجت ذلك الإنسان الذي أحببت؟ كم من الجُهد بذلت لتجعل من ذلك الزواج مشروع حياة ناجح، يتداوله أبناء وبنات الحي ويشبعونه حديثًا، فيتعلمون منه شذرات تبعث الروح في علاقاتهم الزوجية، لتَعيش وتثمر، ومن بعد تعمّر، كما شجر الزيتون؟ الشباب اليوم يعيشون حالة من الإرباك، لأنهم أضاعوا بوصلتهم فتاهوا عن هدفهم الحقيقي، وصاروا يهرولون وراء المغريات المادية التي أثبتت التجارب الحياتية، أنها لا تؤدي في النهاية إلى السعادة الحقيقية. الزواج عقد مقدس يبحث فيه كلا الشريكين عما يمكن أن يكمّلهما ويدعم مسيرَتهما الزوجية طوال العمر، لا عقد إيجار لغُرفة في فندق ذا خمس نجوم، يستمتعان فيها لأيام معدودات، ينتهي بعدها العقد ويرجع كل منهما إلى منزله الذي تربى فيه!

هناك فرق شاسع بين أن تصمم طموحاتك لتواكب نمط حياتك، أو أن تكون من الفئة القليلة الناجحة التي تصمم حياتها لتوائم طموحاتها. هل اعترفت لنفسك ولو بعد فوات الأوان، أنك وضعت عملك كأولوية حياتية، أمام مصلحة أطفالك؟ ربما وفرت لهم جميع ما يحتاجونه من ماديات، لكنك كنت تعطي عملك أهمية كبرى تجعلك تنسى أن لديك من ينتظرك هناك، لتُقدم له المشورة والنُصْح. لقد آثرت الحوافز والترقيات وإرضاء المسئولين، فهنيئًا لك، ما حصلت عليه!

عندما تنظم أولوياتك، ستجد الوقت لكل ما تريد فعله، بما فيها أسرتك وراحتك وصحتك، هذا إن كانت هذه الأشياء تعني لك شيئا. تعامل مع الأشياء وكأن ذلك البعيد ”أنت“، ليس لديه إلا أيامًا معدودات ليفارق الحياة. كل شيء في تلك الفترة الحرجة يصبح ذا قيمة، ويأخذ أولويته ومساره الحقيقي على قائمة أعمالك. أن تكون مُدمنًا على العمل ليس بالأمر الهادف كما يبدو. العمل الرائع، هو ذلك الذي يدعم نمط الحياة الذي اخترته لنفسك، مستندًا إلى القيم والمبادئ الحقة التي توصلك وأفراد أسرتك إلى السعادة والنجاح.