آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

أخبرهم من تكون

ياسين آل خليل

إعطاء الكثير من المصداقية لآراء الآخرين، ما هو إلا تقليل لقيمتك الفكرية، وانتقاص لرأيك أولا وأخيرا. محاولاتك الحثيثة لإرضاء الطرف الآخر على حساب سحق رؤيتك الخاصة بك، وإظهار شخصيتك الكاملة والغير مجتزأة، ما هو إلا تقزيم لذاتك البشرية، والنيل من إرادتها والثقة المتأصلة فيها. الأخذ بفرضية أن الآخرين يحملون من الدراية والمعرفة والعلم ببواطن الأمور، ما يفوق معرفتك، تصرف خاطئ، يحتاج إلى الكثير من مراجعة الذات وتقويمها.

لا أحد يدعوك أن تنتقص من شأن الآخرين، أو أن تقلل من قدراتهم. مشورتك لمن تعتقد أنهم أهلٌ للمشورة، في بعض الأمور التي تستدعي الإستشارة والأخذ بآراء أهل الخبرة، أمرٌ لا يختلف عليه اثنان، في أنه توجه سليم، ينم عن رزانة عقلية ونضج في الشخصية. أما أن تجعل من أناس هم ما دون المستوى المتوسط من الدراية، مرجعيتك الأولى والأخيرة في الصغيرة والكبيرة، فهذا تمامًا كمن يسلم الخيط والمخيط لمن يعتقد أنه يجيد الخياطة، ويطلب منه أن يخيط له ثوبًا لمناسبة مجتمعية هامة، تتطلب هندامًا أنيقًا يليق بالمناسبة. يا ترى كيف سيكون عليه حالك ذلك اليوم، وأنت تلبس ذلك الثوب بما يحويه من خلل كبير، يُظهر لابسه بأنه ضحل المعرفة بالذوق العام وسوء الإختيار!

أغمض عينيك وتوقف عن النظر إلى أجندة الآخرين وما يفعلونه بأنفسهم. خذ حياتك على محمل الجد، وأبقي عينيك مركزّتين على مسارك الخاص بك، فَرحلتك لها مسارها المختلف عن البقية. توقف عن المقارنة، واعتقد بصدق، أن ما تفعله هو عين الصواب. عندما تتخلى عن مقارنة نفسك بالآخرين، فإنك بذلك تُحمّل نفسك مسؤولية ما تفعله. هنا تكون قد عقدت العزم على وضع أهدافك نصب عينيك، وتوقفت عن المراهنة على جواد غيرك، وأنه سيفوز لا محالة في سباق تجهله كجهلك بالجواد نفسه. أقلها خطرًا ومجازفة، لو أنك دخلت السباق بجوادك الذي تعرفه خير معرفة، وتعايشت معه سنين عدة، ويمكنك الاعتماد عليه والثقة به، لأنه لم يخيب آمالك أبدًا، ولم يتركك تكابد الحياة وحيدًا.

في طريقك للنجاح لا تتوقف كثيرًا وتعطي أهمية كبرى لما يعتقده الآخرون. اجعل من ثقتك بالله، ثم إيمانك بذاتك وقدراتك، خارج إطار الرأي الآخر، مرجعيتك الأولى. الطرف الآخر ينظر دومًا لملئ كوبه، دون النظر إلى كوبك الفارغ. في نهاية المطاف، يبقى كل ما تبذله من جهد يصب في مصلحتك أنت، فهذه حياتك لا حياة أحد آخر. اجعل من نفسك أولوية تثق بها وترجع إليها، واعلم أن الآخرين لن يعطوها نصيبها الذي تستحقه من العناية والإهتمام، كما تفعل أنت.

يأتي ذلك اليوم الذي تستيقظ فيه، لتشعر إما أنك عشت حياة لم يشبها ندم أو حسرة، قد مُلئت بالنشاط والحيوية والرضا الذاتي، أو أنك قد عشت حينًا من العمر، قد أوهمت فيه نفسك بأن الآخرين سيؤازروك ويقفون بجانبك في السراء والضراء. اليوم هو يوم الحصاد، فلا تتوقع أن تحصد محصولاً، أنت في الأساس لم تزرعه. فإذا كنت يوم الزرع قد بذرت حرملًا، فلا تتوقع بأي حال، وفي يوم الحصاد عينه، أن تتحول بذور الحرمل تلك، إلى ثمار من الفراولة أو الأناناس.

الرجوع إلى ما يمليه عليك حدسك، هو بداية البداية للعودة إلى ذاتك وعدم الأخذ بآراء الآخرين، على أنها مرجعية رصينة وموثوقة. بعد أن اتضحت لديك الصورة، بات عليك بكل ثقة أن تُخبر الآخرين عمن تكون أنت. لقد تحققت مع مرور الوقت بأن ما تفعله هو عين الصواب، وأنك لست بحاجة إلى تزكية الآخرين بين الحين والآخر، ليعطوك الضوء الأخضر، قبل المضي في قراراتك. اليوم، وقد تعرفت على ذاتك عن قرب، وعرفت مكامن الضعف والقوة فيها، آن الأوان أن تقف شامخا وبكل ثقة وثبات، لتضع قدمك على الأرض، لتخطو خطوتك الأولى في الاتجاه الصحيح.