آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

مشاية الأربعين

محمد أحمد التاروتي *

تعكس زيارة الأربعين لسيد الشهداء الكثير من الدروس والعبر، اذ لا يمكن تفسير زحف الملايين سنويا مشيا على الأقدام، كونه حالة عاطفية او كردة فعل غير واعية، لاسيما وان الحالة العاطفية سرعان ما تبرد مع مرور السنوات، بيد انها تتجدد بشكل اكبر مع معركة كربلاء، ”ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا“، خصوصا وان التقاء الثقافات واختفاء الفوارق المالية والاجتماعية في طريق الحسين تشكل حالة فريدة، مما يستدعي التوقف مليا عند هذه الظاهرة، التي باتت محط استغراب وتساؤل على مرور السنوات.

بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت في سبيل القضاء على زيارة سيد الشهداء ، منذ العهد الاموي والعصر العباسي مرورا بالعصور المختلفة، فانها باءت بالفشل الذريع نتيجة التضحيات التي قدمت في سبيل إبقاء شعلة الزيارة متقدة في القلوب، الامر الذي ساهم في وصول هذه رسالة الحسين الى العالم، من خلال الكثير من الممارسات والاعمال الكثيرة، التي تطورت مع التطورات الحاصلة عبر العصور المختلفة.

وسائل الاعلام لا تستطيع نقل جميع التفاصيل الدقيقة لمسيرة الأربعين، فهي تركز على حركة الزوار من النقطة الأولى وحتى الوصول الى كربلاء، من خلال اجراء اللقاءات مع كبار السن والنساء والأطفال وغيرها، وكذلك محاولة اقتناص بعض اللقطات الفريدة، بيد ان تلك الجهود الكبيرة غير قادرة على الإلمام بالتفاصيل الدقيقة للمسيرة الأكبر والأطول في العالم، فالطريق الطويل الذي يمتد لنحو 600 كم لا ينحصر في تقديم الغذاء والدواء وغيرها من الخدمات العديدة، التي فرضتها احتياجات الزائرين او فرضتها إيقاعات العصر، وإنما المعاني الكبيرة التي تحملها زيارة الأربعين تتجاوز التفاصيل المادية التي تقدم للزائرين، اذ ما تزال العديد من التفاصيل غائبة عن العالم، نظرا لعدم القدرة على رصدها بدقة من لدن وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.

وسائل الاعلام الغربية تحاول قراءة الحدث الكبير الذي يتجدد سنويا مع سيد الشهداء ، بحيث يشهد زخما اكبر من العام الذي سبقه، من خلال الرصد الميداني ومحاولة الإجابة على العديد من الأسئلة الحائرة، خصوصا وان الثقافة الغربية لا تجد إجابات في السخاء، والكرم الكبير من لدن أصحاب المواكب، عبر تقديم الخدمات المجانية، فالزائر يحظى طيلة المشي بالترحيب والحرص على خدمته، فيما الثقافة الغربية تقوم على مبدأ «الخدمة مقابل الخدمة»، انطلاقا من الثقافة المادية الحاكمة في التعاملات اليومية في المجتمعات الرأسمالية.

على النقيض لا تجد مسيرة الأربعين أصداء في وسائل الاعلام العربية، فهذه الوسائل تتجاهل هذا التجمع المليوني، مقابل الاهتمام بحوادث لا تستحق الاهتمام، فالاختلاف في التوجهات لا يعني تجاهل حدثا هاما، يشغل العالم على مدى عشرين متواصلة، وبالتالي فان التجاهل لا يؤثر على الزخم الإعلامي الذي تشهده مسيرة الأربعين، نتيجة الانفتاح الإعلامي الكبير وسهولة الوصول الى العالم في اللحظة، بواسطة وسائل الاجتماعي، مما ساهم في كسر الطوق الإعلامي، والقضاء على سياسة ”التجهيل“، التي سادت عبر العصور الماضية.

قال الإمام الصادق : «اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافا " عليهم، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلب على قبر أبي عبد الله ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش.

فما زال صلوات الله عليه يدعو بهذا الدعاء وهو ساجد، فلما انصرف قلت له: جعلت فداك لو أن هذا الذي سمعته منك كان لمن لا يعرف الله لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا " أبدا، والله لقد تمنيت أني كنت زرته ولم أحج، فقال لي:

ما أقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته؟

يا معاوية لا تدع ذلك، قلت: جعلت فداك فلم أدر أن الأمر يبلغ هذا كله».

”حمران بن أعين قال: زرت قبر الحسين بن علي فلما قدمت جائني أبو جعفر فقال أبشر يا حمران فمن زار قبر شهداء آل محمد يريد الله بذلك وصلة نبيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه“.

كاتب صحفي