آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

قاصرٌ عن فهمِ نفسي!

المهندس هلال حسن الوحيد *

تسكن في رأسي أسئلةٌ لم أعرف جواباً كاملاً لها ولأنني أتقدم في العمر ولم أستطع الإجابةَ عنها فلا أظن أنني سوفَ أتمكن من الإجابة عليها. وبكلِّ صراحةٍ لا أظنك أنتَ أيضاً، صغيراً كنتَ أو كبيراً، إلا فكرتَ فيها مرةً أو مرات: الإنسان والله والكون! من لا تطرق هذه الأسئلة وأشباهها طاسةَ رأسه إما ارتفعَ إلى قمةِ اليقين الإيجابي فلا مزيد من الارتقاء، أو انحدر إلى وادي اليقين السلبي ولا حاجةَ للخروج منه! أسئلةٌ مع أن في الإجابة عنها كثير من العقل والفكر والمنطق والفلسفة وقد تكون في بعض الحالاتِ أخطر من البارود على ما يعتقده الإنسان، لكنني أجد أنها أفضل من الصمتِ بكثير وهي تشبه حمى أوائلِ الشتاء التي لن تقتلنا بل من المرجحِ أن تعطي أجسامنا من المناعة ما يحصنه من أن تفتكَ به أمراضٌ أخرى يصعب علاجها.

لا تحيرنا المعرفة الكلية أبداً، ففي كل شيءٍ آية تدل على أنه واحد، لكن ما بعد الواحد هو التفرعات والتشعبات التي تتطلب الخروجَ من المحسوسِ إلى المعقول، من رسلٍ وكتبٍ وثوابٍ وعقاب، ناهيك عن دوامةٍ من الأسئلةِ التي تتشعب وتتفرع كما تتشعب الطرق في الغابات، والخطورة تأتي أن نفقد القدرة على العودة للمسار الرئيس من بين تلك التفرعات.

ولأن الحس أكثر قرباً لنا من العقلِ في الغيبيات فهل يجب علينا وأد كل سؤال يطرق ساحةَ عقلنا ونبعده خوفاً مما هو أخطر من السؤال؟ أم لابدَّ من البحثِ عن جواب يعزز فينا جانب الإيمان قدر المستطاع؟ في القرآن الكريم خطابٌ للإنسان وليس فقط للمسلم أن يتفكر في كل وقت﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: 191] وليس في الكون أقرب من أنفسنا لنتفكر في خلقها «وَفِي أَنفُسِكُمْ ? أَفَلَا تُبْصِرُونَ» [الذاريات: 21]. متى ما طرقت رأسي ورأسك الأسئلة الخطيرة فليس لزاماً علينا أن نغلق الباب دونها وإلاَّ سوف تعود. بل من الأجدى أن نفكر فيها فلو كانت كل فكرةٍ تقود إلى النكران والإلحاد فلمَ يأمرنا الله أن نكثر من الفكر في كل شيء، فيه وفي الكونِ وفي أنفسنا، فتكون أعاصير وزوابع الأسئلة هي من يحرك ويثير فينا رواكدَ الجهل.

رأى رجلٌ حكيماً يقلب عظاماً في مقبرة، فسأله عن السبب. قال الحكيم: أنا أقلب عظامَ البشر منذ أربعينَ سنة لعلِّي أعرف  الغني من الفقير والعالمَ من الجاهل والحاكمَ من المحكوم فما وجدت فارقاً بينهم. لا تخبرنا عظام البشر ولحومهم عما ينكشف لهم من الحقائق بعد الموت، وهم لا يعودون ليخبرونا عما صار عندهم يقيناً فلابد لنا من مزيجٍ من العقلِ والمعرفة والتصديق بالحقائق الصغرى التي لم نراها بعد لكنها تتبع وتتفرع من الحقائقِ الكبرى الغير قابلةٍ للإنكار!

مستشار أعلى هندسة بترول