آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الحياة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

هناك فرق كبير بين المجتمع الحي والاخر الميت، فالاول يمتاز بالحيوية والنشاط والحركة الدائبة في مختلف المجالات، فيما الثاني يغط في السبات العميق، بحيث لا يكاد يسجل حضورا لافتا في المسيرة الإنسانية، فالعملية ليست مرتبطة بالفناء الجسدي على الاطلاق، لاسيما وان الموت من السنن الإلهية ”كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ“ و”قهر عباده بالموت والفناء“ وبالتالي فان مقياس حياة الشعوب بمقدار قدرتها على الإنجاز في مختلف المجالات، مما يسهم في بقائها نابضة بالحياة، سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، فهناك الكثير من الشعوب استطاعت تجاوز الاطار الجغرافي المحدود، عبر الإنجازات العلمية التي انعكست إيجابيا على المجتمعات الأخرى، الامر الذي تدوين حركتها الشاملة في صفحات التاريخ.

المجتمع الحي بامكانه التحول الى أداة فاعلة في الحركة الإنسانية، من خلال التعاطي بروح إيجابية انطلاقا من مبدأ ”التعايش الإنساني“ المشترك، الامر الذي يدفعه لتحريك الإمكانيات الذاتية باتجاه خلق الظروف المناسبة، لاحياء الشعوب الإنسانية الأخرى ليكون رافعة على الدوام، من خلال التركيز على أسباب الحياة، والابتعاد عن مواطن الخطر، وإشاعة البؤس والفقر، في المجتمع على اختلاف شرائحه.

عملية التحرك لاحياء المجتمع، تنطلق من إعادة برمجة التفكير الذاتي لدى الفرد، فالثقافة تمثل المحرك الأساس في تحديد بوصلة المشاريع ”النافعة“ و”الضارة“، ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ“، وبالتالي فان عملية بناء الذات ضرورة للانطلاق بروح إيجابية، تجاه البيئة الاجتماعية، الامر الذي يستدعي وضع برامج قادرة على إعادة برمجة الأولويات الثقافية لدى الفرد، بهدف تكريس الجانب المضيء وطمس الجانب المظلم، مما يؤثر على حركة المجتمع بالاتجاه الإيجابي، لاسيما وان المحركات الأساسية للمجتمعات تنطلق من الغذاء الثقافي لدى الافراد، مما ينعكس على الحركة الجمعية، وتغليب المصلحة المشتركة، على المصالح الفردية.

الحياة الاجتماعية لا ترتبط باطار محددة، او مسار يحمل صبغة واحدة، فهناك الكثير من المسارات القادرة، على المساهمة في عملية النهوض الجمعي، خصوصا وان التحركات الجماعية ذات الهدف المشترك، تصب في قناة موحدة قادرة على احداث الأثر الكبير، مما يعود على المجتمع بالفائدة الكبرى في نهاية المطاف، وبالتالي فان محاولة رسم مسار ”قصري“ لمسيرة المجتمع، تكون غير مجدية أحيانا، كونها نظرة ”محدودة“ وذات افق قصير للغاية، مما يؤثر على الحركة الإيجابية لدى الفرد، وتحد من التفكير الحر القادر على إيجاد الوسائل العديدة، لتجاوز بعض العراقيل الطبيعية، التي تعترض مسيرة ”الحياة“ لدى المجتمع.

إيجاد المناخ المناسب للتحرك الفردي، يمثل الشرارة الأولى باتجاه ”احياء“ المجتمع، فالكبت الفكري يولد الإحباط لدى الافراد، مما ينعكس على العطاء الاجتماعي بشكل عام، نظرا للعزوف شبه التام للمساهمة في البناء الاجتماعي، الامر الذي ينعكس على الحركة الاجتماعية الشاملة، بحيث تظهر على شكل هروب ”شبه جماعي“، عن المشاركة الفاعلة في البرامج القادرة على تحريك مسيرة النهوض، وبالتالي فان المجتمع ”المكبوت“ غير قادر على للوصول الى ”الحياة“، مما يجعله عرضة للامراض الكثيرة في مختلف الأصعدة، نتيجة انعدام روح المبادرة الفردية، باتجاه حياة المجتمع.

الحياة تتطلب الكثير من الجهود من الجهات القادرة، على تحريك الافراد، فالعملية مرهونة بالقدرة على اكتساب الشرائح الاجتماعية باتجاه المساهمة الفاعلة، خصوصا وان عملية الحياة بحاجة الى جهود تراكمية، وليست مرهونة بجيل محدد، مما يستدعي تسليم الأمانة من الجيل السابق الى اللاحق، للحفاظ على المكتسبات وعدم التفريط فيها، باعتبارها مسؤولية عظيمة تتطلب العمل المخلص، وعدم التهاون في مواصلة مشوار العطاء، لاسيما وان التراخي او الاستهانة، يفقد المجتمع قيمة ”الحياة“ بشكل تدريجي، مما يفتح المجال امام المجتمعات الأخرى، لاختراقه بكل سهولة.

كاتب صحفي