آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

نسائم المشاعر الوجدانية

السيد فاضل علوي آل درويش

ورد عن الإمام الباقر : «إنَّ المؤمن لترِد عليهِ الحاجةُ لأخيهِ فلا تكونُ عندهُ فيهتمُّ بها قلبه، ُ فيدخلهُ الله - تبارك وتعالى - بهمِّهِ الجَنّة» «وسائل الشيعة ج 16 ص 337».

ما أعظمه من دين تسهم قيمه وتعاليمه في بناء وصياغة شخصية الإنسان في مختلف جوانبها ومنها جانب المشاعر الصادقة، فترتقي به إلى عالم التفاعل والنشط والمشاركة حتى في هذا الجانب، وذلك من خلال الإحساس بمعاناة إخوانه المؤمنين من وطأة الزمن الغضوب، والذي تعصف رياحه بالناس بمختلف المشاكل والصعوبات التي تثقل النفوس بالهم والكرب، وليس هناك من جنح مواجهة بعد التوكل على الله تعالى وتفويض الأمور إليه وإيكال النجاة والخلاص إلى مشيئته وإرادته تعالى، إلا الأمان والعطف المجتمعي حيث يجد المرء نفسه محاطا بمن يمتلكون مشاعر صدق الإخاء فيسعون لتخفيف الهم عنه بما يمتلكون من وسائل وطرق، وكفى بهذا الشعور بذلا ومواساة قبل أن تنطلق جوقة البحث عن الحلول والإسهام المادي في تفادي الخسائر والنتائج المؤلمة، إذ أنه يعبر عن لحمة وجدارية تغيب عنها أغلال الأنانية والبحث عن المصالح الضيقة والبحث عن منافع تدر عليهم، فليس لهؤلاء المعطائين من غاية سوى إرجاع البسمة عن المكروب وانتشاله من ركام المشاكل، ويتقربون للباري بذلك بل ويجدون سعادتهم وتكاملهم في مواساة وجدانية للآخرين.

ولعل الإنسان المتفاعل مع حاجات إخوانه ليصيبه من الغم الشيء الكثير أن يرى نفسه عاجزا وقصير اليد عن قضائها ودفعها نحو الإنجاح ولو بنحو جزئي، إذ ليست عنده من طريقة للمساهمة في تخفيف تلك الأعباء عن أحد إخوانه، وهذه المواساة الوجدانية والشعور بألم وحاجة الغير وإن لم يتبعها مساعدة عملية، فإن الكريم سبحانه ليتلقفها بعين الرضا والقبول والإثابة بما لا يتوقعه أحد، فهذا الهم النفسي لمعاناة إخوانه تكون سببا قويا لنيل رضوان الله تعالى ونعيم جنانه، ولن تجد في كرم البشر من مثيل لذلك إذ أنها من مختصات أكرم الأكرمين، والذي يبتغي منا في سبيل تكوين هويتنا الإيمانية أن نتخلص من أغلال الأنانية وحب الذات الطاغي.

البعض لا يقدر معنى كلمات المواساة والإحساس بالتعاطف مع معاناة الناس، وذلك لقصر نظره على المشاركة العملية والمادية كمفهوم لتكل المواساة، فما غنى الكلمات والمشاعر، وذاك المتألم تطحنه صعوبات الحياة بأضراسها دونما شفقة؟!

الحقيقة أن الأثر النفسي لوقع المصيبة والمشكلة قد يغفل البعض عن أثره السيء على فكر الإنسان وإرادته، إذ يصاب ذاك المصاب المعاني بتشوش في فكره فلا يهتدي لطريق المعالجة والخلاص، كما أنه يشعر بالشلل وتكبيل اليدين قبالة هذه الأزمة، وأولى خطوات النجاة من هذا الضعف هو إعادة روح التوازن الفكري والوجداني إليه للتخلص من هذا الاضطراب، فيبدأ بعدها بحصر الأضرار والبحث عن الحلول الممكنة، وهنا يكمن قدر المواساة الوجدانية وفاعليتها، فليست هي بفقاعات هوائية لا حقيقة لوجودها وأثرها، وإنما هي بلسم لألمه ومعاناته ومسكن ومخفف لهمومه، فحينئذ تتغير موازين نظره للأمور ويتخلص من روح اليأس وفقدان الثقة بالنفس ويستعيد روح الأمل بالله تعالى من جديد بفضل التفاف الإخوان به وحفهم الوجداني ومواساتهم، فالإحساس بأن الدنيا ما زالت بخير وهناك فرص كثيرة أمام المرء المصاب بمتاعب الحياة ليعالج وضعه، هو من أهم أسباب النجاح والقوة فلا يستغني عنه الإنسان ليقبل على همومه بروح المواجهة لتلك التحديات، بدلا عن التهرب من المسئولية والتقوقع حول مشاعره السلبية واجترار الآلام والأحزان.

والخلاصة أن الهموم والمصاعب الجسام ليست بمشكلة تستحق كل ذاك الاضطراب والقلق، إذ أنها من سنن الحياة فلا تصفو مشاربها ولا تلقي برخائها لأحد، وبالتأكيد فإن الإنسان بمفرده لن يصارع مصاعب الحياة ويتغلب عليها، ولكنه مسدد بأعوان كثر لا يمكن لأي صعوبة أن تهزمه أو تقهره، إنهم أولئك الإخوان والأصدقاء الحقيقيون الذين تجدهم في المصاعب أول من يواسيك ويشاركك الألم، ويبذلون كل ما بوسعهم في سبيل تخفيف المعاناة عمن حولهم.