آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

بين حي بين يقظان وأبيه

المهندس هلال حسن الوحيد *

سبقت معرفتي حي بن يقظان معرفة أبيه ”أبو اليقظان“، ومن هو غير الديك! أو ذكر الدجاج الذي كان صوته في زمنِ الصباح يصدح قبل الفجر حيث لا يهدأ سوى سويعاتٍ يغط فيها واقفاً على رجليه فوق نخيلة أو مرتخياً على بطنهِ في حظيرة الدجاج. تجددت معرفتي به حين كان بجوارنا أبو اليقظان فوق أحد الأسطح يملأ غرفَ منزلنا بصوته صباحاً ومساءً في أيِّ وقت شاء إلى أن أهداه مالكه لجارٍ بعيد. وكان آخر لقاء به قبل ثلاث ليال، ضمنا منزلٌ كان صوته في الخارجِ أعلى المتحاورين دونَ أن يشقى بمعرفةِ ما يدور على ألسنتهم وفي فصوصِ عقولهم.

عرفت ابنه ”حي بن يقظان“ منذ فترةٍ أيضاً في كتاب ”حي بن يقظان“ مكتوبّ عليه اسم كاتبه ”ابن طفيل“، رواية عقلية ابتدعها ابن سينا من قبله واشترك فيها السهروردي وابن طفيل. ولد حيُّ ابن يقظان في أحد الجزر من سفاح وأسموه حي بن يقظان في دلالةِ اشتراك وارتباط الحياة باليقظة. وضعته أمه في تابوتٍ وألقته في البحر الذي من ثَمَّ حمله إلى جزيرةِ الواق واق. أرضعت حي بن يقظان ظبيةٌ في الجزيرة كانت تبحث عن مولودها الذي أضاعته، أحبَّ بن يقظان الظبيةَ لكنها ماتت عنه في عمر السابعة. قام بجس نبض قلبها وشقه ولمس أطرافها ولم يسمع شيئاً أو ير اختلافاً. كان هذا أول تسلسل المعارف حين عرف الفرق بين الموت والنوم بعد أن كان عرف الفرق بين النوم واليقظة. عرف أن هناك جسد وهناك ما فوق الجسد منفصلٌ عنه وهو ”الروح“ التي تفيض على الجسد العلو وأشكالاً من الحياة.

تنقل حي بن يقظان في المعرفة من معرفة الحواسِ إلى معرفةِ النار والروح والجسد. ثم تعرف على الكون والفضاء وأن الفضاء واحدٌ في أجسامٍ كثيرة لابدَّ لها من خالقٍ أرفع وأقوى وأعقل منها وهو ”واجب الوجود“. قضى حي بن يقظان بقية حياته في معرفة هذا الخالق الواجب الوجود في فصولٍ تنقلت بين عدم التعارض بين العقل والشريعة والفلسفة، والتجارب الذاتية التي توصل إلى معرفة حقائق الكون والدين وعبادة الخالق.

لابد أن فلاسفة الغرب قرأوا كتابَ حي بن يقظان في دراساتهم لأنهم نسجوا رواياتٍ كثيرة تشابهها في فلسفة الوجود والخالق. رواية تستحق أن تقرأ فهي على بساطتها تضم كثيراً من الدعوة للتعقل والتفكر وفيها ما يكفي من متعة الخيال ربما رآها أطفالنا في مسلسلات الصغار قبل سنين!

مستشار أعلى هندسة بترول