آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

التشابك.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

الاشتباك المباشر او الصراع بالوكالة، أساليب مألوفة، وغير مستغربة على الاطلاق، اذ تلعب الظروف الاجتماعية دورا أساسيا، في تحديد ماهية التشابك مع الطرف المقابل، بحيث تعمد بعض الأطراف لانتهاج الطريقة المباشرة، في ابراز الخلافات على الواجهة، وعدم الاكتفاء بالتلميح او الضرب من الخلف، خصوصا وان الشعور بالقوة وعدم قدرة الطرف المقابل، على المواجهة او الانتصار، يشكل احد الدوافع لاعتماد الاشتباك المباشر، وعدم الاعتماد على الاخرين في تصفية الحسابات الشخصية، وبالتالي فان الظرف الاجتماعي يفرض أحيانا الاليات المتبعة، في إدارة الاشتباك مع الأطراف الأخرى.

عملية الصراع بالوكالة ليست خافية على الجميع، اذ تعتمد على اثارة بعض الأطراف بعضها ضد البعض، من اجل اثارة النعرات على اختلافها، والدخول في صراعات سياسية او اقتصادية او اجتماعية، بهدف تصفية الحسابات مع احد الأطراف، او محاولة اضعاف كافة الأطراف، مما يسهم في الاستحواذ على الساحة، والقضاء على جميع الأطراف المنافسة، مما يقود لعدم الشعور بوجود عناصر منافسة، وبالتالي فان التحول للحرب بالوكالة تفرضه عوامل اجتماعية قاهرة أحيانا، فضلا عن كون الدخول في المواجهة المباشرة، لا يخدم احد الأطراف، نظرا لعدم وجود مبررات لاعلان المواجهة المباشرة، او لانعدام القدرة على توجيه الضربة القاضية، وبالتالي فان المناوشات او إدارة الصراع من وراء ”الحدود“، يمثل الخيار المناسب، من اجل توفير الظروف المناسبة للانقضاض، على الطرف المقابل بمجرد الشعور بالقوة.

التفكك الاجتماعي يلعب دورا حاسما، في نشوب الصراعات الداخلية، بحيث تصبح الساحة مفتوحة لاطلاق شهية القوي، والسيطرة على الأطراف الضعيفة، اذ يبرز التشابك الداخلي في الازمات، والافتقار الى الاستقرار الأمني، الامر الذي يمهد الطريق لسيطرة ”امراء الحروب“ على الساحة، من خلال سياسة الامر الواقع، وبالتالي فان التشابك الداخلي مرتبط بوجود المناخات الداخلية بالدرجة الأولى، بحيث تفضي لاخراج الأحقاد المدفونة للواجهة بشكل غير مسبوق، لاسيما وان البعض لا يجد غضاضة في التعبير عن النعرات القبلية، او العنصرية في جميع الأوقات، نظرا لانعدام سلطة القانون واختفاء سطوة المجتمع على الافراد، مما يعطي البعض مساحة واسعة للخروج عن السياق العام.

التماسك الداخلي يمثل المناخ الملائم للقضاء على التشابك، خصوصا وان إعطاء الفرصة للدخول في الصراعات، يمهد الطريق للتفكك الاجتماعي، مما يعود بالاضرار الجسيمة على السلم الأهلي في نهاية المطاف، وبالتالي فان الحرص على ”قمع“ التوجهات الانتقامية، لدى بعض الفئات، يساعد في حماية الجميع من الفيروسات الضارة، بمعنى اخر، فان محاولات التغاضي عن بعض الاختلافات الهامشية، التي تحدث بين فترة وأخرى، ليس مدعاة لغض الطرف عن الاشتباك العميق او الجوهري، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، نظرا لخطورته في تفتيت البينة الداخلية، وتقويض المرتكزات الثابتة لدى المجتمع.

الدخول في مواجهة مباشرة مع عناصر ”الشر“، يمثل ظاهرة صحية للقضاء على بؤرة الفساد، فهذه النوع يدخل ضمن باب ”التواصي“ بالحق، وليس الاجتماع على الباطل، لاسيما وان الاضرار المترتبة على الصراعات الداخلية، ليست خافية على الجميع، مما يستدعي اتخاذ مواقف حاسمة، وغير قابلة للتفاوض على الاطلاق، لاسيما وان باب الإصلاح يبقى مفتوحا على الدوام، باعتباره اقصر الطرق لاعادة الوئام، والاستقرار الاجتماعي، الامر الذي يتطلب وضع ضوابط صارمة، في عملية انتهاج سياسة الوقوف بقوة امام الدعوات، الساعية لاشاعة ”التشابك“ الداخلي.

المجتمع الفاعل يحمي الساحة من التداعيات الخطيرة لـ ”التشابك“، نظرا لادراكه الاثار السلبية على الفرد، والمجتمع في الوقت نفسه، فالفرد بمجرد انخراطه في الصراعات، سيفقد قدرته على العطاء، ورفد المسيرة التنموية، وبالتالي فان الخسارة تكون كبيرة على المجتمع باسره، مما يتطلب امتلاك الوعي الكافي، لايقاف نزيف الطاقات البشرية في صراعات داخلية، باعتبارها كارثة كبرى على جميع الأطراف، بحيث لا تقتصر على الفئات المتصارعة، وانما تشمل مختلف الشرائح الاجتماعية.

كاتب صحفي