آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الشباب العربي وأزمات الدولة الوطنية

جعفر الشايب * صحيفة الرأي السعودي

في كل مرحلة تتبين إشكالات حقيقية في بنية الدولة العربية ناتجة عن عدم قدرتها على المواءمة بين التحولات المتسارعة في عالم اليوم، والقيم التي تفرزها وبين الواقع المعاش وغير القادر على التحرر من تبعات البنى التقليدية القائمة.

الحراك الشبابي الواسع النطاق في العديد من دول المنطقة، يكشف عن عمق الأزمات التي تعيشها المجتمعات العربية، وتكلس أنظمتها وقياداتها ونخبها السياسية من التفاعل الحقيقي مع التغيرات القائمة والاستجابة الفاعلة لها.

المنظومة السياسية وما ترتب عليها من محاصصات طائفية وحزبية، وتوزيع غير عادل للثروات الوطنية بين أقطاب السلطة بعيدًا عن مصالح جماهيرها، هي ما دفعت الشباب العربي في أكثر من منطقة للتحرك، مطالبين بإعادة تشكيل هذه المنظومة على أساس المصلحة الوطنية أولًا وفوق كل الاعتبارات الضيقة.

ما نتج عن هذه الهيمنة انتشار الفساد الإداري والمالي بكل أشكاله وتسخير مقدرات الدولة لمصلحة الجماعات المسيطرة، وتحمل ذلك بالطبع المواطن البسيط الذي وجد نفسه أمام جشع هذه الأطراف بمختلف أشكالها، وترتبت عليه تكاليف باهظة في حياته المعيشية، مع أن العديد من هذه الدول - كالعراق مثلًا - لديها من الثروات الوطنية الشيء الكثير الذي يمكنه أن يعالج كل الأزمات الاقتصادية المتصاعدة.

الصراعات والتنافس السلبي المتواصل بين أطراف الحكم في هذه الدول، جعل موضوع التنمية والتطوير في مؤخرة الأولويات لدى صانعي القرار، ونتج عن ذلك تراكم متواصل للأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وحالة من اليأس والإحباط لدى فئة الشباب الذين وجدوا أنفسهم بلا فرص عمل أو قدرة على متطلبات العيش الكريم، أو الحصول على خدمات أساسية مناسبة.

كان متوقعًا وسيظل الحال كذلك في أن تتحرك هذه القطاعات مطالبة بإعادة تأهيل الدولة وبناء نظام سياسي متوازن قادر على الخروج من أزمات المحاصصة إلى أفق الوطن الواحد، والتأكيد على حصر مشكلة الفساد التي تورط فيها مختلف الفرقاء وكبار السياسيين، وما لم تتم معالجة هذه الإشكالات الجوهرية في الجولة الوطنية والخروج بمعالجات حقيقية وجادة، فستظل هذه الأزمات تتمظهر بأشكال وأنماط مختلفة ومتواصلة.

الدولة الوطنية الحديثة لا بد لها من إعادة تأهيل نفسها - إن تمكنت - عبر أخذ الدروس والعبر من التجارب السائدة في عالمنا والتقدم للأمام لمعالجة الأزمات القائمة، والتقدم نحو التغيير الحقيقي المبني على أساس المشاركة العامة والشفافية وتقسيم السلطات واعتماد الكفاءة والمساواة بين مختلف المواطنين.

هذه النداءات التي يطلقها الشباب في مناطق عديدة تعبر عن صيحة ألم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الدول وإعادة هيكلة بنيتها من جديد.