آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

عناصر الموتِ والحياة

المهندس هلال حسن الوحيد *

يطفئُ الماءُ النارَ ويشعلها في ذاتِ الآن! حقيقةُ إطفاءِ الماءِ النارَ من البديهاتِ فلا تحتاج إلى إيضاح. أما كيفَ يشعل الماءُ النار؟ فهو يشعل نارَ حروب البارود حيث كان من قبل يشعل حروبَ السيفِ والرمح والنَّبْل. من ملكَ الماءَ في الحربِ فاز، ومن ملكه في السلمِ ملك، ومن حُرِمَهُ هلك. يرتحل الناسُ إليه أينما يكون وعندما يجدونه تبدأ دورة الحياة، ثم إذا غابَ اختفت مظاهر الحياة.

ليست النار أقل خطورةً أو حظوةً من الماء إذ أن النارَ هي الطاقة التي تدب في الجماداتِ وتعطيها الحياة. كانت النارُ في العصورِ القديمة تضيء الليلَ في مضاربِ الرحل، يصطلونَ بها في ليالي الشتاء، ويطهون بها طعام القِرى، والآن هي من يحكم كل حياتنا ويسيرها، بها نبصر في الظلام، وبها ننتقل، وبها نزرع ونأكل ونلبس ونسكن ونتمتع، كل هذا تعطينا إياه النار ”الطاقة“ التي نحسبها أكبرَ الشرور!

عناصرُ أربعة جمعت العالمَ عبر التاريخ وفرقته؛ بها تعرفت المجتمعاتُ على التجارة والاستكشاف والتبادل الثقافي، وبسببها نشبت الحروبُ والنزاعات التي لا حصر لها. هذه العناصر عددها الفيلسوف الأغريقي ”أرسطو“ منذ قديم الزمان في النارِ والتراب والهواء والماء. ألا ترى كيف لو فقدنا واحداً من الأربعة الأعمدة اختل ميزانُ الكون وفقدنا الحياة؟!

تأتي ناحيتنا قطراتٌ قليلة من عنصرِ الماء كلَّ سنة، وكم رغبنا أن يكون نصيبنا منه أكثر لنجددَ به ما نضبَ من مخزوننا في جوفِ الأرض الذي لم يعد يكفي لهذا الجيل أو من بعده، وكم وددنا أن نملكَ الترابَ والهواء فبهذه العناصر مجتمعةً ينمو الزرعُ ويعتدل مزاجُ الإنسان ويمتلك عناصر البقاءِ المستدامة التي تتجدد ولا تنفد، هي والشمسُ والرياح.

استفادَ الإنسانُ من جميع العناصر الأربعة ولكنه جارَ عليها كلها، فاستنفد بعضها ولوثها كلها. لم يبق الماء صافياً ولا التربة خصبةً نقية ولا الهواءُ عادَ عذباً رقيقاً، ولا الطاقة تكفي، كلها لوثها الإنسان الذي هو بحاجتها، ثم صار يائساً لا يدري كيف يمسح عن تلك العناصر ”البيئة“ ما أصابها من ضرر! وكما في كل اشتباك ”البادي أظلم“ عادت الطبيعةُ الإنسانَ فآذت سمعه وبصره وكلَّ حواسه، وأصابت ما يدخل في جوفه وأمرضته، وأخيراً قصرت من حياته!

اليوم جادت علينا السماءُ ببعض المطر، فلم يكد يتوقف إلا وبدت الطيورُ المهاجرة أسراباً، وكأنها تعرف أن الحياةَ جاءت عندنا حينَ جاء الغيث الذي أينما حلَّ حلَّ الخير معه. قطراتٌ سوف يعشوشبُ بها القفر ويلد فيها الزهرُ كلَّ الألوان، وتهبنا الحياة. هذا ولسانُ حالِ السماء يقول: لو أقللتم من الخطايا أعطيناكم أكثر!

تمتع بالمطر الذي لا يدوم وإن بدا ضيفاً ثقيلاً، فلا شكَّ أنك تذكر يوم كنتَ طفلاً صغيراً تفرح متى لامست قدماك العاريتان الأرضَ المبتلة، إذاً عد في الزمان ولو لساعات وابتهج بالذكرى وادعو اللهَ أن يرسلَ منه المزيد!

مستشار أعلى هندسة بترول