آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

أمريكا.. شرعنة الاستيطان

محمد أحمد التاروتي *

احدث قرار الإدارة الامريكية بقانونية الاستيطان في الضفة الغربية، صدمة كبرى على الصعيد العالمي، فخطوة واشنطن تتعارض مع جميع الأنظمة والقرارات الدولية، التي تجرم التغييرات على الأراضي المحتلة، وبالتالي فان السياسة الامريكية الجديدة تمثل خرقا صريحا لقرارات الأمم المتحدة، الامر الذي يفسر حملة المواقف المنددة بالقرار الأمريكي الأخير، باعتباره خطوة غير مسبوقة لدى الإدارة الحالية بخلاف السياسة التقليدية، لدى الإدارات الامريكية السابقة على مدى العقود الماضية.

خطوة إدارة ترامب تأتي استكمالا لمجموعة الخطوات، التي اتخذتها في ”شرعنة“ الاحتلال الإسرائيلي، للأراضي الفلسطينية المحتلة، فالقرار الجديد لا يختلف من حيث المضمون مع الخطوات السابقة، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، وكذلك الاعتراف بضم هضبة الجولات المحتلة لإسرائيل، وبالتالي فان الإدارة الحالية تعمل وفق سياسات صادمة للمجتمع الدولي، الامر الذي يسهم في تقويض جميع الجهود المبذولة، لانهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة.

البيت الأبيض يعمد لانتهاج سياسة تصادمية، وغير متوازنة في التعاطي مع قضية الشرق الأوسط، مما يجعله وسيطا غير نزيه في التعامل عملية السلام بقضية الشرق الأوسط، نظرا لاعتماده على سياسات تحابي المحتل على حساب الشعب الفلسطيني، وبالتالي فان الحديث عن جهود الإدارة الامريكية للعمل على انهاء الصراع، بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل، تكذبه الممارسات المتخذة على الواقع، فجميع القرارات الامريكية تصب في مصلحة تل ابيت، فيما يجري تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، الامر الذي يبرر موقف السلطة الفلسطينية الرافض، لجميع الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب، كونها لا تخدم سوى طرف إسرائيل، وتتغاضى عن الممارسات الإرهابية، التي تمارسها تل ابيب، منذ احتلالها للأراضي المحتلة في عام 1967.

ردود الأفعال العالمية ”الخجولة“ او غير الفاعلة، التي صاحبت قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك الاعتراف بسيادة تل ابيب على هضة الجولان، تمثل احد العوامل المشجعة على اتخاذ الخطوة الأخيرة، لاسيما وان البيت الأبيض يراهن على سياسة الامر الواقع، بالإضافة لعدم قدرة المجتمع الدولي على اجباره للتراجع عن القرارات السابقة، مما يعني ان التراجع عن القرار الأخير غير وارد، انطلاقا من تجاهل واشنطن جميع ردود الأفعال العالمية، التي صاحبت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، او الاعتراف بضم هضبة الجولات لدولة الاحتلال.

تل ابيب ستحاول الاستفادة من القرار الأمريكي، في توسيع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة، بحيث تقوم بالتمدد على مختلف الجغرافيا في الضفة الغربية، مما يقود الى تكريس التغيير الديمغرافي على الأرض، من خلال سياسة فرض الامر الواقع على المجتمع الدولي، مع الاخذ في الاعتبار ان سياسة الاستيطان لم تتوقف منذ العقود الماضية، فجميع الحكومات الإسرائيلية لم تذخر جهدا في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، الامر الذي يفسر انتشار المستوطنات في العديد من مناطق الضفة العربية، من خلال سياسة مصادرة الأراضي الفلسطينية، على مدى العقود المنصرمة.

السلطة الفلسطينية لا تمتلك الكثير من الخيارات، او الأوراق الرابحة حاليا، نظرا للوضع العربي المتأزم، والازمات التي يعيشها في منذ عام 2011، اذ ما تزال العديد من الدول تعاني الازمات الاقتصادية والسياسية، فضلا عن فقدان الاستقرار الأمني، مما يجعل موقفها - السلطة الفلسطينية - ضعيف للغاية، في القدرة على ممارسة الضغوط على الإدارة الامريكية، وبالتالي فان المراهنة على الموقف العربي في ظل الأوضاع الراهنة عملية غير مجدية.

الجامعة العربية ليست قادرة على ممارسة الضغط على الإدارة الامريكية، جراء الأوضاع الصعبة التي تعيشها حاليا، اذ ما تزال تعيش حالة من التشرذم والتشتت جراء تباعد المواقف السياسية، تجاه الكثير من الازمات المستعرة في العالم العربي، وبالتالي فان تحرك الجامعة العربية لن يحصد سوى ”السراب“، فالمواقف التي اطلقتها ابان قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم تزحزح الإدارة الامريكية عن موقفها، بمعنى اخر، فان التعويل على الجامعة العربية ليس واردا لدى الشعب الفلسطيني.

كاتب صحفي