آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

المُجتمعات المُنغلقة وثقافة التخفي

زينب البحراني *

”احرِص على إخفاء اسمك، صورتك، صوتك، وكُل ما يدل على هويتك، ثم انطلق في ارتكاب ما تشاء من جرائم وسيئات“.. هذا ما تغرسه المُجتمعات المُنغلقة التي تُحرم حُرية التعبير على ابنائها، حيث يُروى النفاق بمياه مستنقعات الخوف الفاسدة، ويكون الشر مقبولاً مادام يرتدي قناع الخير الزائف.

تحريضٌ على الجُبن وتربيةٌ على الكذب والنفاق والمُراوغة يُنجِبان أزمة أخلاق تنخر لُب المُجتمع وتصعُب مُعالجتها، أنت لا تتعامل مع الشخص الذي يرتدي ثوب الحَمَل أمامك، بل مع الذئب المختبئ تحت جلد الحَمَل.. تتراكم تلك التصرفات السرية المريضة إلى أن تتورم وتنفجِر مُعلِنة عن جريمة أو خرابٍ أو ثورةٍ عشوائية مُخيفة تطحن الأخضر واليابس، وتجرف معها المجرم والبريء.

يأتي الإنسان على هذه الأرض ليكتشِف ويُجرِّب، يبدأ تأدية تلك الرسالة منذ اكتمال قدرته على السمع والإبصار بعد الوِلادة، وتتطور مع قدرته على لمس الأشياء والإمساك بها ثم الحبو والمشي، ثم تتدخل المشيئة البشرية الديكتاتورية من البالغين لقطع دابر تلك المحاولات الاستكشافية الحُرة وتدجينها وقتل كل طموحٍ مُرتبط بها، ولأنها فِطرةٌ وغريزةٌ داخلية لا يمكن تجفيف منابعها بشكلٍ كامل؛ فإنها تبحث عن قناة تصريف أخرى مُنحرفة كي تُعلن عن نفسها من خلالها، فتلف وتدور لتفعل ما تشاء في الخفاء خوفًا من العقاب الخارِجي، وفي بعض الحالات نرى شكلاً متقدمًا من أشكال الازدواجية التي ترتكب الفظائع سرًا؛ ثم تهتف وتصرخ وتشتم مُرتكبيها في العلن رُغم أنهم ارتكبوا الفعل ذاته، ولا فرق بينهم وبين هذا الشاتم إلا أنهم تم اكتشافهم بينما أسدل الله ستره عليه ولم يتم اكتشافه!

ثقافة الخوف الترهيب لا تصنع مُجتمعًا خلوقًا نظيفًا شريفًا عفيفًا، بل تنسج بخيوطها العنكبوتية الهشة مجتمعًا مُشوهًا مريضًا مشحونًا بالعُقد النفسية، الآباء الذين يرتكبون الرذائل فيه يتصورون أنهم نجحوا بإخفاء رذائلهم عن ابنائهم وعصموهم منها حين يُربونهم تربية صارمة على الخير والفضيلة، ولا يعلمون أنهم سيرثونها منهم، من طاقتهم وذبذباتهم وجيناتهم، وسيرثون معها قدرتهم على إخفاء الفساد وارتداء براقع البراءة والطهارة.

العذابُ حقًا عندما يجد الإنسان نفسه مُضطرًا على إخفاء ما لا يستحق الإخفاء: إخفاء مشاعره، إخفاء آرائه، إخفاء نبضات قلبه، إخفاء وُجهات نظره، وإخفاء طموحاته ورغباته وأمنياته، الأمر أشبه بأن يُطلب من الإنسان التوقف عن التنفس لأن صوت أنفاسه سيفضح حقيقة أنه مازال على قيد الحياة!

كاتبة وقاصة سعودية - الدمام