آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

التسامح.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

الصفح يمثل قيمة أخلاقية وإنسانية، لا تتوافر لدى البعض، ولكنها تمثل سمة بارزة، لدى بعض الفئات الاجتماعية، فهذه الشريحة قادرة على تجاوز العديد من الاساءات، في سبيل إبقاء العلاقات الإنسانية، وعدم تعريضها للتدهور، الامر الذي يتمثل في التغاضي عن التجاوزات الشخصية، والعمل على ترميم العلاقات الاجتماعية، بهدف وضع الأمور في المسار السليم، لاسيما وان الانتقام يجر معه تداعيات خطيرة في العديد من الجوانب، بحيث لا تقتصر أحيانا على الاطار الضيق، وانما تتسع الدائرة لتشمل شرائح متعددة، مما يستدعي وضع تلك الاعتبارات في الحسبان، وتفادي الاقدام على خطوات غير محسوبة النتائج.

التسامح لا يعني الانكسار، وعدم اتخاذ الموقف الحاسم، في الأوقات المطلوبة، فالعملية مرتبطة بالقدرة على رد الإساءة بالدرجة، فالضعيف لا يصدر منه الصفح، وانما يترك ردة الفعل، نتيجة الخوف وعدم القدرة، ”رد الحجر من حيث اتى“ وبالتالي فان التسامح يكون من الطرف القوي، وليس الصادر من الشخص الضعيف، لاسيما وان البعض يحاول تفسير الانكسار والخوف، كنوع من أنواع التسامح، وعدم اثارة المشاكل، بمعنى اخر، فان التسامح يعطي نتائجه الإيجابية في حال القدرة على الرد، ”العفو عند المقدرة“، بحيث يسهم التغاضي في تهدئة النفوس، وامتصاص حالة الغضب، الامر الذي يساعد في احتواء المشاكل، والدخول في مرحلة تصفية النفوس، مما يؤثر على إعادة المياه الى مجاريها مجددا.

امتلاك القدرة على تجاوز الإساءة، صفة أخلاقية سامية، ولكنها ليست متاحة للجميع، خصوصا وان عملية ضبط الاعصاب، ومحاولة التعامل بحكمة مع المواقف، امتحانات صعبة يسقط فيها الكثير من البشر، نظرا لصعوبة الصمود في هذه الاختبارات الحياتية، وبالتالي فان محاولة التحكم في السلوك الخارجي، يساعد في انتهاج سياسة ”التسامح“، تجاه الممارسات غير المتوازنة، او الاساءات الكثيرة الصادرة من بعض الفئات، لاسيما وان البعض يتحرك وفقا للعواطف في اتخاذ المواقف تجاه الاخر، وأحيانا نتيجة مسايرة بعض الأطراف الأخرى، سواء عن قناعة تامة، او بسبب مغريات عديدة، او جراء الخوف من اتخاذ الموقف الحيادي.

انتهاج سياسة التسامح في البيئة الاجتماعية، يساعد في اخماد نيران الكثير من الحروب، التي تشعلها بعض العناصر، خصوصا وان البعض يحاول استخدام الحروب الكلامية، لاطلاق شرارة الفتنة الداخلية، من خلال الدفع باتجاه التصادم والتشابك المباشر، الامر الذي يفسر انتقال الإساءة من مرحلة الى مرحلة أخرى، نتيجة الفشل في ادخال المجتمع في مواجهة مباشرة، مما يستدعي البحث عن أساليب أخرى، من اجل تحقيق الأهداف المرسومة، وبالتالي فان التحرك باتجاه تبريد تلك النفوس عبر سياسة التسامح، يسهم في القضاء على الكثير من المخططات الهادفة، لتخريب السلم الأهلي، من خلال اشعال الحروب الداخلية، وتدمير البيئة الاجتماعية، بغرض تحقيق مآرب كثيرة.

التغاضي ليس مدعاة للتنازل عن الحقوق، او اتخاذ المواقف السلبية، تجاه الملفات المبدئية، فالتسامح يمارس ضمن السياقات الأخلاقية، او ذات العلاقة بالعلاقات الشخصية، وبالتالي فان الخلط يمثل معضلة كبرى، فهناك فرق بين التغاضي عن الصديق او القريب، ضمن البيئة الاجتماعية الواحدة، والتنازل عن الحقوق الثابتة، والتي تحدد مسار المجتمع بشكل عام، وبالتالي فان الموقف المتخذ تجاه الصديق، لا ينسحب على المواقف المبدئية والمصيرية، نظرا لوجود فوارق كبيرة للغاية، بحيث تتطلب التوقف مليا عنها، وعدم ممارسة الخداع، او الخلط بخصوصها.

المجتمع بامكانه إرساء قواعد ثابتة، في التعاطي مع العناصر ”المخربة“، من خلال استخدام وسيلة النصح، وعدم اتخاذ ردود أفعال سلبية، تجاه ممارسات العناصر ”المخربة“، بحيث تسهم في خلق المناخ المناسب، لإزالة الكثير من المشاحنات، والكراهية من النفوس، مما يؤسس لمرحلة اكثر استقرار وهدوء، لاسيما وان إيجاد الأرضية المناسبة للالتقاء عند نقاط مشتركة، يمهد الطريق لاعادة الوئام للنفوس مجددا، الامر الذي يسحب البساط من تحت اقدام، العناصر المستفيدة من تخريب البيئة الاجتماعية.

كاتب صحفي