آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 4:55 م

العمل.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

يعطي العمل بمختلف اشكاله قيمة معنوية، واستقرار نفسيا لدى صاحبه، فالمرء العامل يشعر بقيمته في الحياة، باعتباره عنصر فاعل في المحيط القريب، والوسط الاجتماعي، مما يدفعه للتحرك بشكل اكبر للانطلاق نحو ممارسات أدوار متعددة، سواء لزيادة حصيلته المادية وتحقيق العديد من الطموحات الذاتية، او بهدف تعزيز نفوذه في البيئة الاجتماعية، لاسيما وان العطاء يولد حالة من الانسجام النفسي، وأحيانا التصالح مع الكثير من الشرائح الاجتماعية، فالمجتمع ينظر بشكل إيجابي للعناصر العاملة، ويتفاعلها معها بشكل مباشر او غير مباشر، فيما لا يلتفت للفرد غير المنتج، باعتباره عنصر غير فاعل في الحياة، مما يجعله عبئا ثقيلا على الحياة الاجتماعية، الامر الذي يفسر المقولة المألوفة ”الشغل ليس عيبا“، و”اليد البطالة اكلها حرام“، و”قيمة المرء ما يحسن“.

ينظر البعض الى العمل كوسيلة لتحسين المستوى المالي، مما يجعله منغلقا على ذاته طيلة الحياة، بحيث ينقطع عن الوسط الاجتماعي بشكل تام، مما يحرم المجتمع من طاقاته او قدراته الشخصية، في رفد الحياة الاجتماعي ببعض الأنشطة، لاسيما وان النظرة القاصرة أحيانا تشكل احد الأسباب وراء ”التقوقع“، والانكفاء على الذات، بحيث تبرز على شكل مواقف ”انهزامية“ تجاه الكثير من القضايا، نظرا للقناعات الملتبسة التي يتبناها في الحياة، وبالتالي فان العمل يحمل في طياته جانبا إنسانيا واجتماعيا، فهو يتجاوز الاطار الشخصي ليدخل في الجانب الاجتماعي، بشكل مباشر او غير مباشر، فالعمل يمثل حلقة من حلقات التواصل الاجتماعي، في مختلف المجالات الحياتية، الامر الذي يفسر الانطباعات العديدة، التي تتولد لدى العديد من الفئات الاجتماعية، تجاه بعض العناصر الفاعلة في الوسط الاجتماعي.

التعامل مع العمل كوجاهة اجتماعية حق مشروع، باعتباره مدخل للانخراط في الحياة العامة، لاسيما وان العمل يسهم في ابراز الطاقات المدفونة، فهناك الكثير من الكفاءات تظهر بمجرد بروزها على السطح، من خلال بعض الأنشطة والاعمال المختلفة، مما يسلط الأضواء عليها بشكل مركز، الامر الذي ينعكس على رفع الأسهم في البيئة الاجتماعية، لاسيما وان الوسط الاجتماعي ينظر بايجاب لجميع العناصر، القادرة على احداث تحولات حقيقية، مما يضاعف من حجم المسؤولية الملقاة على الكفاءات، في التضحية بجزء من الحياة الخاصة، في سبيل المساهمة الفاعلة بالمسيرة الاجتماعية.

وجود نظرة إيجابية للعمل الاجتماعي، يمثل مدخلا للانخراط التعامل في مختلف الأنشطة، ذات الأثر الجمعي، فالمرء الإيجابي يحاول وضع خبراته وامكانياته، في سبيل المساهمة الفاعلة، الامر الذي يدفعه للتفاعل الكامل مع جميع المبادرات، والأنشطة الاجتماعية، سواء من خلال التشجيع المباشر، او محاولة الاشتراك المباشر، لاسيما وان المواقع الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في نجاح او فشل المبادرات او الاعمال ”الجمعية“، فالمرء بما يمتلك من قدرات بامكانه توظيفها في سبيل الارتقاء بالعمل الاجتماعي، فيما تشكل النظرة السلبية عامل احباط في الوسط الاجتماعي، نتيجة الانعزالية المفرطة التي تسيطر على القناعات الذاتية، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، مما يدفعها لمحاولة الهروب من الاستحقاق الاجتماعي، والعمل على توظيف الكفاءة الشخصية، في ممارسات ذات طبيعة ”انانية“ بالدرجة الأولى.

المجتمع يساعد في احداث تحولات في طبيعة التفكير الجمعي، مما ينعكس على نشر الثقافة الإيجابية، المرتبطة بالاليات المستخدمة في الاستفادة من ”العمل“، بما يخدم الوسط الاجتماعي، لاسيما وان البيئة الاجتماعية قادرة على وضع ضوابط واطر محددة، بحيث تدفع الافراد نحو تبني بعض الممارسات، والتخلي عن القناعات ”الانانية“، باعتبارها امراض اجتماعية تقضي على روح التعاون، والمثابرة التي تولد الإحساس بالمسؤولية، تجاه الوسط الاجتماعي، وبالتالي فان العمل بما يمثله من معاني كثيرة، يسهم في الدفع بعملية العطاء نحو الامام، بحيث تتجاوز الاطار الضيق لتبحر في الجانب العام، مما ينعكس بصورة مباشرة على قيمة العمل لدى الثقافة الجمعية، عوضا من قصرها على بعض المعاني المحددة، ذات الطبيعة الشخصية.

كاتب صحفي