آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

‎الإرث.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

التاريخ جزء أساسي من ذاكرة المجتمع، مما يفرض التعاطي مع الذاكرة الاجتماعية بمسؤولية، وعدم التفريط في رصد الاحداث المفصلية، وكذلك عدم إدارة الظهر للمنعطفات التاريخية، نظرا لما تمثله من ارث كبير لدى المجتمع، وبالتالي فان الوعي يمثل مدخلا أساسيا في الاليات المتبعة، في عملية توظيف الذاكرة الاجتماعية بالشكل الإيجابي، لاسيما وان التحرك بعقلية سلبية يقود الى حالة من التعسف او التطرف، الامر الذي يحدث حالة من الارباك الداخلي، لدى الفئات الاجتماعية على اختلافها.

الذاكرة الاجتماعية تمثل مجموعة احداث تاريخية، بعضها ”مفرحة“، والبعض الاخر ”مأسوي“، فهذه الاحداث تبقى محفورة في الذاكرة الجمعية، نظرا لما تعطيه من دورس وعبر، لمواصلة مشوار العطاء في مختلف الأصعدة، اذ من الصعب التركيز على الحوادث المفرحة، دون التعريج على الاحداث ”المأسوية“، لاسيما وان محاولة الانسلاخ من التاريخ لا يخدم التجارب الإنسانية، وانما يسهم وضع الذاكرة الاجتماعية في خانة بعيدة عن الواقع، خصوصا وان التجارب البشرية تشكل مادة خصبة للمجتمع، لايجاد الحلول المناسبة، لتفادي تكرار تلك الاحداث الصعبة، ”لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين“.

التوازن في التعاطي مع الاحداث، يساعد في وضع الاطار المناسب للتعامل ”الحكيم“، مع الذاكرة الاجتماعية، فالتفريط يعمي البصر عن رؤية الأمور على حقيقتها، وكذلك الافراط يحجب الرؤية عن الاستفادة من التاريخ، وبالتالي فان التطرف يحمل في طياته العديد من الاثار السلبية، ويعرقل عملية البحث الإيجابي، لتنوير الفئات الاجتماعية بالتجارب على اختلافها، بمعنى اخر، فان التوازن يشكل العلامة البارزة في قدرة العقل الجمعي، على التعامل مع الذاكرة الاجتماعية بشكل احترافي، الامر الذي يحدث اثرا فاعلا لدى الشرائح الاجتماعية المختلفة.

وجود عقول قادرة على انتقاء الاحداث، ومحاولة استخراج الدروس والعبر منها، عنصر أساسي في رفد التفكير الجمعي بالتوازن، وعدم التفريط في التعامل مع الذاكرة الاجتماعية، لاسيما وان اختطاف العقل الجمعي يؤدي الى كوارث عظمى، سواء على الصعيد الفردي او الجمعي، نظرا لاتخاذ مسارات غير متوازنة على الاطلاق، الامر الذي يقود الى النتائج الكارثية للتعاطي مع الاحداث الاجتماعية، خصوصا وان البعض يحاول توجيه الأنظار صوب زوايا محددة، بعيدا عن الواقع، مما يؤدي الى حرف الأنظار عن الاحداث الأكثر قدرة، على اثارة الذاكرة الاجتماعية بالاتجاه الإيجابي.

محاولة إخفاء الاحداث، او تزييف البعض منها، سواء عن حسن ”نية“، او سوء ”نية“، لا يخدم الذاكرة الاجتماعية، ويقضي على التاريخ بطريقة مباشرة، او غير مباشرة، لاسيما وان التزوير يدخل الجميع في حالة من الخيال غير الواقعي، من خلال رسم البطولات او زيادة بعض الحوادث، مما يفرغ من الاحداث المفصلية عن محتواها، وبالتالي فقدان قيمتها التاريخية لدى الأجيال القادمة، وبالتالي فان الجريمة ”الأدبية“ التي يرتكبها البعض، تسهم في مسح الذاكرة الاجتماعية، وترسم وقائع لم تشهدها الساحة مطلقا، الامر الذي يحدث حالة من الضياع والارباك، لدى الباحث التاريخي، فضلا عن وضع المجتمع في مواجهة مباشرة مع احداث مزيفة.

الإرث التاريخي بمثابة ”الرئة“، التي يتنفس من خلالها المجتمع، فهي بوابة للعبور نحو المستقبل بخطى ثابتة، لاسيما وان النظرة الإيجابية للاحداث تولد تفاعلا لدى الفئات الاجتماعية، مما ينعكس بصورة مباشرة على الأسلوب المستخدم، في القدرة على توظيف تلك الاحداث في المسيرة الاجتماعية، خصوصا وان الاحداث ليست كلمات او روايات سواء على الالسن، او في صفحات الكتب، وانما تكشف عن اتجاهات ثقافية كانت سائدة في العقل الجمعي، في تلك الحقبة الزمنية، الامر الذي يستدعي إيجاد الوسائل لتسخير تلك الثقافة، فيما يخدم المجتمع للانطلاق نحو مرحلة العطاء والتنوير، في مختلف المجالات الحياتية.

كاتب صحفي