آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الاحكام.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

تلعب الاهواء أحيانا، والأحقاد تارة أخرى، والضغوط الاجتماعية مرة ثالثة، دورا رئيسيا في اصدار الاحكام المسبقة، وتبنى المواقف تجاه الأطراف الأخرى، فالعوامل ليست واحدة على الاطلاق، نظرا لاختلاف العلاقة الحاكمة بين الأطراف، وبالتالي فان عملية الانسجام التام ليست واردة مطلقا، نظرا لوجود مصالح مختلفة، وكذلك سيطرة مناخات اجتماعية متعددة، مما يفرض اتخاذ مسارات عديدة في شبكة العلاقات الإنسانية، حيث يتسم بعضها القوة والصدق والتضحية، والبعض يغلب عليه الفتور والتوتر، وأحيانا حياكة الدسائس الكثيرة، الامر الذي يفسر حالة الجمود التي تحكم بعض العلاقات الاجتماعية، والخصومة الشديدة القائمة بين اطراف، بحيث تصل الى النزاع الدموي، بغرض تحقيق الغلبة على الخصم.

تحكيم الموازين العقلية، والتمسك بالمبادئ الأخلاقية، ليس حاكما في العديد من العلاقات المتوترة في البيئة الاجتماعية، لاسيما وان الاهواء تغلب على الكثير من التحركات والخلافات المستعرة بين الأطراف، فكل طرف يحاول تسجيل نقاط على حساب الطرف الاخر، مما يدفعه لانتهاج أساليب بعيدة عن القيم الأخلاقية، وكذلك تجميد الاحكام العقلية، بحيث تتجسد على شكل مواقف متشنجة، وغير متوقعة على الاطلاق، خصوصا وان البعض يحاول الخروج عن قواعد الخصومة ”الشريفة“، عبر الكثير من الممارسات غير المنسجمة مع المبادئ الأخلاقية، الامر الذي يترجم على شكل اعمال عنف غير مبرر على الدوام، وبالتالي فان محاولة تقريب وجهات النظر ليست واردة جراء الاحكام المسبقة، مما يجعل الوصول الى نقاط التقاء عملية صعبة، وتتطلب مفاوضات ماراثونية.

الاستسلام للاهواء الشخصية ”جريمة“ كبرى، بحق العلاقات الاجتماعية، لاسيما وان النوازع الشيطانية تحجب العقل عن رؤية الأمور بتجرد، وبالتالي فان الاهواء تقود الى الهاوية، وتسهم في تفتيت التماسك الداخلي، حيث تقود الى نشوب الكثير من الخلافات، جراء اتخاذ مواقف سلبية انطلاقا من مصالح شيطانية، اذ يتحول الصديق الى خصم، بمجرد تعارض بعض الاهواء الخاصة، مع استمرار هذه العلاقة التصالحية، وبالتالي فان الخضوع للاهواء يحدث اثرا سلبيا، على الصعيد الفردي والجمعي في الوقت نفسه، لا سيما وان البعض يحاول الهروب من الاستحقاقات الاجتماعية، عبر افتعال بعض الخصومات، بهدف تبرير المواقف الحادة المفاجئة، وغير المتوازنة على الاطلاق.

يتخذ البعض مواقف سلبية نتيجة النجاحات الكبيرة التي حققتها، فهذه النوعية من البشر تكره النجاح، وتحاول وضع العصا في طريق العناصر الناجحة، فعوضا من محاولة الاستفادة منها لركوب قطار النجاح، فانها تعمل على التشكيك في قدراتها الذاتية، حيث تنطلق في مواقفها من احقاد داخلية، اذ يترجم على اشكال مختلفة، انطلاقا من الأحقاد الدفينة التي تحركها، تجاه العناصر الناجحة، وبالتالي فان الاحكام السلبية مرتبطة بالحالة النفسية، التي تعيشها الأطراف ”الحاقدة“، الامر الذي يتمثل في التعاطي الاجتماعي، مع الشخصيات الاجتماعية، حيث يغلب عليها التشنج والفتور، وأحيانا الخصومة الشديدة، نظرا لاحساس هذه العناصر ”المريضة“ بقدرة العناصر الناجحة، في التمدد العمودي والافقي في البيئة الاجتماعية.

الضغوط الاجتماعية، تسهم في تخريب شبكات العلاقات الإنسانية، لاسيما وان البعض يتحرك وفق اجندة مرسومة، مما يدفعه لتوجيه السهام تجاه بعض الأطراف الاجتماعية، بغرض تسقيطها او القضاء عليها بشكل نهائي، من خلال تنظيم حملات دعائية مكثفة لتشويه صورتها لدى الرأي العام، فتارة تكون بواسطة اطراف مقربة من تلك الأطراف، عبر بث الكثير من الشائعات والأكاذيب، وتارة عبر تسليط الضوء على الأخطاء والهفوات، بهدف احداث فجوة كبيرة مع البيئة الاجتماعية، بحيث تقود الى سحب البساط من تحت اقدامها، وبالتالي فان الضغوط الاجتماعية تشكل عاملا قويا، في احداث توتر بشبكة العلاقات الاجتماعية، خصوصا وان الفئات الاجتماعية تتخذ مواقف عطفا على مجموعة المواقف غير المتوازنة، التي تطلقها بعض الأطراف، الامر الذي يقود لحالة من الارباك، والانقسام الداخلي، مما يؤدي الى اطلاق العديد من الاحكام، بعضها ذات أغراض مشبوهة، والبعض الأخرى بعيدة عن المصداقية.

كاتب صحفي