آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الصحوة.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

بقاء المجتمع في السبات العميق، يعطل حركته الإيجابية في مشوار التطور، والعطاء، فالغفلة الدائمة تشل الفكر الإنساني، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، مما ينعكس على المسيرة التنمية في مختلف مناحي الحياة، لاسيما وان التطور بمثابة حلقات مترابطة فكل حلقة تشد اختها، وبالتالي فان فقدان احدى الحلقات يعطل الحركة بشكل مؤقت تارة، وأحيانا اخرى بشكل كامل، مما يستدعي إيجاد المناخ لتحفيز البيئة الاجتماعية، تجاه العطاء ونفض غبار التكاسل والغفلة، من اجل ممارستها دورها الطبيعي في رفد الحياة، باسباب البقاء ومقارعة الأمم الأخرى.

تقاس الأمم بمدى خدمتها للفكر الإنساني، ومقدار قدرتها على البقاء، في وجه التيارات العاتية، فهناك بعض الأمم تتحول الى ”عالة“ على الأمم الأخرى، مما يجعلها تحت رحمة تلك الأمم المتقدمة على الدوام، وبالتالي فانها غير قادرة على الانفصال، او التحرك بمفردها، نظرا لافتقارها لاسباب البقاء، وانعدام مقومات النهوض لديها، الامر الذي يفسر التقدم السريع لبعض الأمم، واستمرار التأخر لدى الأمم الأخرى، لاسيما وان العملية لا تختص بالافتقار للامكانيات المادية، او البشرية، بقدر افتقارها للصحوة القادرة احداث تحولات جذرية، والرغبة الجادة في مقارعة الأمم المتقدمة، بمعنى اخر، فان المجتمع يمثل كلمة السر في مشوار العطاء، من خلال استلهام العبر، والدروس من الاخرين، وعدم الاستسلام للاصوات الشاذة، الداعية لاستمرار التواكل على الغير.

الصحوة ليست حركة انفعالية، او ممارسة عشوائية، فالعملية مرهونة بوجود عوامل مساعدة، وأرضية مناسبة، فضلا عن وجود عناصر قادرة على التفاعل الإيجابي، مما يسهم في وضع الأمور في المسار الصحيح، خصوصا وان فقدان احد المسببات يعطل المشروع، ويقضي على الطموحات الكبرى، لاسيما وان الصحوة ليست مناطة بحالة فردية، بقدر ما تمثل حركة جمعية، فالتحرك الفردي ليس قادرا على احداث تحولات كبرى، في العقل الجمعي، وبالتالي فان وجود مشروع ”جمعي“ يمثل الحالة الإيجابية، لإنقاذ البيئة الاجتماعية من ”السبات“ العميق، وحالة اللامبالاة، التي تعتري بعض الفئات الاجتماعية.

الإحساس بالمسؤولية تجاه البيئة الاجتماعية، احد المحركات الأساسية وراء الانتفاض الكامل، على الواقع ”البائس“، والسعي الدائم لاحداث انقلاب حقيقي، في المفهوم الاجتماعي السائد، لاسيما وان الثقافة السائدة تضغط على البيئة، باتجاه اتخاذ مسارات محددة، بعضها سلبي وغير فاعل، والبعض الاخر إيجابي ومحرك نحو التحول الشامل، وبالتالي فان الصحوة تلعب دورا فاعلا، في القضاء على الحالة السلبية، ومحاولة تجاوزها بمشاريع معاكسة تماما، بهدف إيجاد الأرضية المناسبة لطرد ”الغفلة“، باعتبارها عنصر تعطيل للمسيرة الاجتماعية.

المعالجة السليمة للواقع المعاش، تعطي ثمارا إيجابية، سواء على المدى القصير او البعيد، خصوصا وان التعرف على مواطن الخلل، ومكامن الخطر، مقدمة نحو إيجاد العلاج المناسب، فيما السكوت على الأخطاء يفاقم الأمور، ويؤخر عملية العلاج، وبالتالي فان البحث عن الامراض الاجتماعية امر ضروري، للانطلاق باتجاه العطاء، الامر الذي يمهد الطريق امام البيئة الاجتماعية، للامساك بزمام الأمور، نحو تفعيل أسباب النهوض، وطرد الخمول، والقضاء على التكاسل، فالعملية مرهونة بالمعالجة السليمة، والقدرة على إيجاد الامصال القادرة، على تحفيز العقول باتجاه التفاعل الايجابي، لاسيما وان العقول تمتلك كلمة الفصل في تحديد المسيرة الاجتماعية، فالمجتمع الذي يفقد القدرة على التفكير السليم، غير قادر على معالجة الأمور بالشكل الملائم، نظرا لافتقاره للتفاعل المدروس مع الاحداث على اختلافها، مما ينعكس على التأخر عن مواكبة التطور، وبالتالي البقاء بعيدا عن المتغيرات الجارية.

التحرك المدروس يسهم في وضع المجتمع، على الجادة الصائبة، فالتخبط في جميع الاتجاهات، ومحاولة تقليد الاخرين دون وعي، يكرس حالة الضياع، وفقدان القدرة على السير بشكل مستقيم، وبالتالي فان الصحوة السليمة تلعب دورا كبيرا، في تحريك العقول ”الجامدة“، وتوفير الأرضية المناسبة، لخلق واقع اكثر اشراقا، في مختلف المجالات.

كاتب صحفي