آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 6:07 م

المعروف.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

يتعاطى البعض مع فعل الخير بمنطق الربح والخسارة، بحيث يتحرك وفقا لمؤشرات الفائدة على الصعيد الشخصي، ومستوى المكاسب الاجتماعية سواء على المدى القصير او البعيد، فيما يتوارى للخلف بمجرد انحسار الفوائد الظاهرية، مما يدفع للتنازل عن جميع المبادئ الأخلاقية، وأحيانا الاستدارة الكاملة، بحيث يتحول من اليمين الى الشمال، جراء انخفاض مؤشر المكاسب، وارتفاع مستوى الخسارة «أشْكَرُكُمْ للهِ أشْكَرُكُمْ لِلنّاسِ».

اقتران فعل الخير بمبدأ الربح والخسارة، لا يخدم استمرارية المثل الأخلاقية، بقدر ما يؤسس لقواعد متحركة، تبعا للتحولات الاجتماعية المتغيرة على الدوام، لاسيما وان الثقافة الاجتماعية ليست ثابتة في التعامل مع أصحاب المعروف، مما يحرك الهواجس النفسية لدى فاعلي الخير بالاتجاه السلبي، بحيث يترجم على شكل انعطافة كاملة، الامر الذي ينعكس على الامتداد الافقي والعمودي، لاعمال الخير في البيئة الاجتماعية، اذ تتحول المحفزات الذاتية الى حالة من الإحباط الداخلي، نظرا لانحسار الاندفاع النفسي تجاه بعض الاعمال الخيرية، ذات الأثر الإيجابي على مختلف الشرائح الاجتماعية، او الجزء الأكبر منها، ”لا يزهدنك في المعروف من لا يشكره لك، فقد يشكرك عليه من لا يستمتع بشئ منه، وقد تدرك من شكر الشاكر أكثر مما أضاع الكافر والله يحب المحسنين“.

الايمان الكامل بضرورة مواصل المشوار، وعدم الالتفات للاحباط الخارجية، يمثل احد المحركات الأساسية للانطلاق بشكل ثابت، وعدم التوقف في منتصف الطريق، او التأثر بالعراقيل التي تعترض الجادة، فالتحرك وفق مبادئ ومرتكزات ثابتة، يحدث اثر كبيرا في التعاطي مع المبادرات الإنسانية، واعمال الخير، خصوصا وان التعامل بحالة الربح والخسارة ينعكس على العزيمة، ويقوي الإصرار في الكثير من الأوقات، وبالتالي فان البحث ”التصفيق“ الدائم ليس واردا على الاطلاق، جراء اختلاف وجهات النظر في البيئة الاجتماعية، فالبعض ينظر لاعمال الخير، كانعكاس لمجموعة القيم الأخلاقية، مما يستدعي اتخاذ الموقف الإيجابي، ومحاولة الوقوف مع أصحابها دائما، فيما البعض يرى في اعمال الخير كنوع من الدعاية، وتصدر المشهد الاجتماعي، ”لعن الله قاطعي سبيل المعروف، وهو الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره، فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره“.

الحساسية المفرطة تجاه نوعية التعامل مع فعل الخير، ليست مفيدة على الاطلاق، فاعمال الخير تقدم نفسها على الدوام، لاسيما وان المعروف يجد طريقه للقلوب النظيفة، فيما لا يدخل في القلوب المريضة، وبالتالي فان الانزواء ليس حلا على الاطلاق، بقدر ما يمثل ضعفا في مواجهة الضغوط النفسية، خصوصا وان عمل الخير يقيض له الخالق من ينمه، ويفتح الطريق امامه، بمعنى اخر، فان المعروف يتطلب حالة من التوازن الداخلي والخارجي، وتجاهل جميع الضغوط الاجتماعية، باعتبارها ردود أفعال طبيعية، نظرا لاختلاف المستويات الثقافية لدى الشرائح الاجتماعية، مما يستدعي حالة من الثبات وعدم فقدان التوازن، ومحاولة الهروب من فعل الخير، تحت مبررات عدم وجود التقدير المناسب.

المسؤولية الاجتماعية تجاه فاعلي الخير، تفرض انتهاج الموقف العقلاني، والابتعاد عن سوء النوايا، والتعامل بحالة من الانانية مع تلك الفئة، فالبعض يتخذ الموقف السلبي انطلاقا من الغيرة او الحسد، وأحيانا الشعور بالنقص تجاه فاعلي الخير، بحيث يعمد للدخول في النوايا منذ اللحظات الأولى، من اجل قطع الطريق امام فاعلي الخير للحصول على الثناء والمديح، اذ يتحرك الحاسدون باتجاه وضع العصا في العجلة، سواء من خلال محاولات التخريب، او البحث عن الثغرات الصغيرة، بهدف التقليل من تلك الاعمال الخيرية، وبالتالي فان مبادلة فعل المعروف بالشكر يمثل حالة إيجابية، ويعكس المستوى الأخلاقي لدى البيئة الاجتماعية، فيما يمثل الجحود والنكران قمة الانحطاط الأخلاقي، لاسيما وان فاعلي الخير يتحركون انطلاقا من الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع، والعمل على اقتطاع جزء من الوقت في سبيل لخلق البرامج النافعة، ذات الأثر الإيجابي على العديد من الفئات الاجتماعية.

كاتب صحفي