آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

صناعة الخطاب

محمد أحمد التاروتي *

صياغة الخطاب يتطلب حضور دائم في البيئة الاجتماعية، وقدرة استثنائية على تحريك المياه الراكدة، في المنطقة الباردة في العقل الجمعي، فالمرء بامكانه التفنن في اختيار الكثير من المفردات، ولكنه غير قادر على احداث تموجات حقيقية في التفكير الاجتماعي، مما يفقد القدرة على التأثير المباشر، والفشل في اختراق الحواجز النفسية والمادية، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان الرغبة في صياغة الخطاب الاجتماعي، ليس كافيا للوصول الى الهدف، فهناك العديد من المقدمات سواء على الصعيد الشخصي، او على الاطار الاجتماعي، فضلا عن وجود إمكانيات حقيقية لتحقيق الهدف المنشود.

احداث تحولات كبرى في الخطاب الاجتماعي، ليس متاحا بالمطلق للجميع، نظرا لتباين وجهات النظر، تجاه طبيعة التوجهات السائدة في البيئة الاجتماعية، مما يسهم في تعطيل الخطاب لفترة من الفترات، او الفشل في انتشار الخطاب في المجتمع، الامر الذي يستدعي دراسة الوضع بشكل دقيق، لتفادي الوقوع في المحظور، خصوصا وان طبيعة الخطاب تحدد المقبولة والرفض، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان العملية ليست سهلة او مزروعة بالورود على الاطلاق، فهناك جهود كبيرة ومطبات عديدة، تواجه سيطرة الخطاب على العقل الجمعي.

الاستفادة من المرحلة الزمنية، وكذلك محاولة تجنب التصادم مع الخطاب السائد، عناصر أساسية في قدرة الخطاب على اختراق الجدار السميك القائم في العقل الجمعي، ”لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم“، وبالتالي فان المرء قادر على الاختيار الحسن بمجرد وضع الأمور في النصاب الصحيح، عبر استخدام الأدوات المناسبة للمرحلة الزمانية، فيما سيكون الوضع اكثر سوء باستخدام المفردات والأدوات القديمة، نظرا لاختلاف التفكير الاجتماعي، وتباين الثقافة السائدة، في الحقبة الزمنية الحالية عن المرحلة السابقة، ”العالم باهل زمانه لا تهجم عليه اللوابس“ و”من كابر الزمان عطب“.

وجود عناصر قادرة على الاختيار الدقيق للخطاب، وكذلك انتقاء المفردات القادرة على ”الجمع“ عوضا من ”التفرقة“، يساعد في وضع الحروف على النقاط، خصوصا وان التحرك بشكل عفوي او غير متوازن، يقضي على الخطاب في مهده، او يحد من قدرته على الانتشار السريع، وبالتالي فان الاختيار المناسب للمرحلة الزمنية يساعد في صناعة الفئة القادرة، على تبني الخطاب بالشكل المطلوب، لاسيما وان التفسيرات المتباينة للخطاب تقود للانقسام الداخلي، وعدم القدرة على بلورة مسار موحد، لمواجهة الخطابات السائدة، سواء المسيطرة على المشهد الداخلي، او المنتشرة في البيئات الاجتماعية الأخرى.

التباين في تبني الخطاب الاجتماعي، عملية طبيعية، وليست مستغربة على الاطلاق، نظرا لاختلاف المرتكزات الفكرية والثقافية، لدى مختلف الفئات الاجتماعية، بيد ان المشكلة تكمن في التصادم الكبير بين الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يمهد الطريق لاختلال المنظومة الفكرية، القادرة على الاستيعاب، وتقبل الخطاب الجديد، مما يمهد لنشوب صراع داخلي يستنزف الطاقات داخل البيئة الاجتماعية، بمعنى اخر، فان الخشية من اختلاف وجهات النظر، ليست مبررة في كثيرة من الأحيان، فهي ضمن النسق الطبيعي، تبعا للطبيعية البشرية القائمة على التباين الدائم، بيد ان المشكلة تكمن بمجرد خروج الاختلاف عن السيطرة، والجنوح الى التصادم المباشر، مما ينعكس سلبيا على مستقبل البيئة الاجتماعية، جراء الخسارة الشاملة لجميع الأطراف المتشابكة.

البيئة الاجتماعية تمثل البوصلة القادرة، على تحديد مؤشر نجاح الخطاب او فشله، فالتعاطي بحساسية مفرطة يمثل بداية انفراط عقد الخطاب الجديد، فيما سيكون التعامل بمسؤولية وحذر خطوة مشجعة، للاستمرار في تبني الخطاب الجديد، لاسيما وان السيطرة على العقل الجمعي يتطلب قدرة كبرى في الاقناع، وكذلك تأييد قاعدة واسعة من المجتمع، فالتوجس والخشية لا تخدم الخطاب على الاطلاق، الامر الذي يستدعي العمل الجاد على إزالة تلك المخاوف من العقول، ومحاولة إيصال الخطاب بطريقة سهلة بعيدا عن التعقيد، او اظهار الفوقية على الفئات الاجتماعية.

كاتب صحفي