آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ساوبونا..!

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

غالباً ما أحب أن أنغمس في فوضاي العقلية، أطرق باب الأسئلة وأهرب، عندما نكتب نتقاسم مع الآخرين مشاعرنا الصغيرة وبعض انكساراتنا، شغفنا وحبنا الكبير لكل ما حولنا، ونفكر بكل ما لنا وما علينا، سواء على الصعيد الشخصي أو العام فهناك مسائل مهمة يجب التفكير بها وطرحها وإيجاد حلول لها، وهناك معضلات تختص بالمستقبل يجدر التفكير بها، ولكن لو تحدثنا عن التعامل والسلوك الإنساني يا ترى، ما طريقتك في التعامل مع الآخرين؟ ومن أول شخص تقع عليه عينك عند أي تجمع بشري سواء في عمل أو غيره؟ كيف ترى الآخرين؟ حيث ينعم الكثير منا بأشخاص يساعدونهم في حياتهم، فهناك من يفتح لك الباب، وهناك من يقدم لك القهوة، وهناك من يساعدك على ارتداء ملابسك، هؤلاء الأشخاص الذين يعتقد البعض منا أنهم لا مرئيين، أو أحياناً نعتبرهم أشخاصاً مفروغاً منهم في تواجدهم بحياتنا، هم أهم الأشخاص في حياتنا، وأول من يجب أن نمتن لهم، فنحن يجب أن نتجاوز إشكالية تفاعل الإنسان مع الآخر وإعطائه قيمته المعنوية والتي يحتاج لها قبل المادية، فالتعود على رؤية هؤلاء من الداخل والتعامل معهم بامتنان واحترام جدير بتغيير أرواحهم ونظرتهم للحياة، فنحن يجب أن نمتن لهم، ونتعامل معهم بكل لطف، واحترام غير متكلف، فالتواضع المتكلف مثل التكبر كلاهما يقتسمان ميزان العلاقات الإنسانية، فكلمة ثناء وشكر وامتنان قد تدخل قلب الآخر كالرصاصة ويشعر وكأنه في مسرح شكسبير والجمهور أمامه ويصفق له، أتفهم ما يعنيه هوس التواضع عند البعض والادعاء، أنا لا أعني هذا فالكلمات الصادقة التي تخرج منك يحس الآخر بها دون عناء أو جهد، وفي ثقافتنا وديننا الإسلامي يجسد هذا الحديث حالة للإنسان وأخلاقياته، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ”من لا يشكر الناس لا يشكر الله“، وهذه المواقف تجعلك تتفهم من أنت، وتجعلك تقف على حقيقة أخلاقك وتعاملك، فالبياض الذي يأتي من داخل قلبك ويلمح لونه الآخر، سيشعر أنه ولد من رحم الامتنان الذي استقر شعاعه بداخل قلب الآخر المعني بالشكر والامتنان، هذا الامتنان الباذخ يمتدّ كمساحات شاسعة كحقول الزيزفون والزيتون وكأنها عمراً من الإنسانية التي افتقدناها وسط ضجيج الماديات، فعندما ترى الآخر الذي يتعامل معك أياً كان، يجب أن تمتن له وتظهر له الاحترام والتقدير، قرأت مرة أن التحية التقليدية لشعب الزولو في جنوب أفريقيا هي ”ساوبونا“، وتعني ”أنا أراك“، أدهشتني هذه التحية العظيمة التي تجسد إنسانية عالية في الشفافية والتقدير.