آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

ماذا بعد المدارس؟

ماذا بقيَ في ذاكرتكَ مما تعلمته في المدارسِ والجامعات بعد عدة سنين؟ إن كنتَ مثلي، إذاً بقيت في ذاكرتك صورة المباني أكثر نصوعاً من كثيرٍ من مواد الدراسة! يقول ألبرت آينشتاين ”الثقافة هي ما يبقى بعد أن تنسى كلَّ ما تعلمته في المدرسة“.

تقدم المدارسُ والجامعاتُ علوماً مفيدة لكلِّ من يدرس فيها، لكن دروسها تشبه شطائرَ اللحمِ العالمية لها ذات الوزن واللون والرائحة والجودة في كلِّ مكانٍ أو دولة تباع فيها. يستطيع من يأكلها أن يميزَ شطيرتَه عن شطيرةِ غيره بإضافةِ الخردلِ والتوابل وغيرها من النكهات، لكنه لن يغيرَ من طعمِ الشطيرةِ الأوَّلِي، فماذا بعد؟

مع أنه لابد لكلِّ شخص في هذهِ السنوات أن يأكلَ هذه الشطائر المتشابهة لحدٍّ كبير، فتعليم الذاتِ ونظام تعليم أفلاطون لأرسطو لا يملأ البطنَ بالغذاء، الواقعُ يقول إن الحياةَ هي أكبر وأفضل مدرسةٍ بعد سنواتِ الدراسة الرسمية إذا اعتبرنا أنفسنا طلاباً في رحلةٍ لا تتوقف مهما تعلمنا وأضفنا إلى معارفنا، حتى من اولئكَ الذين نجزم أنهم يعرفونَ أقلَّ مما نعرف. فمرةً أخرى يقول آينشتاين: ”إنها معجزة أن ينجو الفضولُ من التعليمِ الرسمي“. حقا إن أفضلَ وسيلةٍ للتعلم هي الفضول في تتبعِ المعارف بكل أصنافها ولن تجدَ من الفضولِ إلا القليل في الصفوفِ الدراسية!

من أجملِ الأوقات تلك التي أقضيها مع أحفادي الذين هم أصغر مني بعقود حين أتعلم من أسئلتهم عن أصغرِ الأشياء وأكبرها. تلك الرغبة في السؤال عندما نفقدها يموت حارسُ الجهلِ في داخلنا، سؤالٌ دون توقف أو استحياء، فليس لدى الصغار حرجٌ مما يدور في طاسة رؤوسهم.

الحق أننا كباراً وصغاراً لو رفضنا السماحَ للجهلِ أن يعيش ويتربى بيننا نكون ابتعدنا منهُ مسافةً ثم بعدها ينقاد لنا العلم وتستسلم لنا المعرفة. في العمر ما يكفي للفرحِ واللعب ولكن يجب أن ندسَّ بين الساعاتِ والأيام قليلاً من التعلمِ لنجتاز به عقبةَ الدنيا وعقباتِ الآخرة.

ترتقي الأممُ والمجتمعات بقدر مسيرها نحو العلم والمعرفة، ومن المؤكد أن مع انشغالِ الناس بأمور معيشتهم لن ينفروا كافةً للعلمِ والبحث، فلابد أن يحمل بعضهم البيارقَ والرايات ولتكن بدايتها من شرائحِ اللحم السريعة، ولِم لا؟ فلكل جهدٍ وعملٍ بداية من مكانٍ ما!

لا يجوز أن ننسى ما تعلمناه في المدارسِ والجامعات، فمنها خرج الطبيبُ والمهندس والمحاسب والصناعي، ولا يجوز لأيٍّ منا أن يكتفي بما تعلمه ثم نسيه، بل نزرع في أنفسنا الحنينَ والشوقَ للبناء ولو للقليلِ من الطوب فوق ما بنيناهُ في المدارس...

مستشار أعلى هندسة بترول