آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

‎العطاء.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

التفاعل المسؤول مع المجتمع يتجلى في المواقف الصادقة، التي ترفع من شأن صاحبها لدى البيئة الاجتماعية، وتحقق الرضا الداخلي، لاسيما وان المواقف ”الرجولية“ تمثل احد القنوات، للاستحواذ على مشاعر الأطراف الأخرى، فالوسط الاجتماعي يتفاعل مع بشكل مباشر مع مختلف المواقف الصادقة، حيث تعكس صفاء السريرة والإحساس الكبير بالمسؤولية تجاه البيئة الاجتماعية، الامر الذي يتمثل في اطلاق العديد من المبادرات، ذات الأثر الكبير على تحسين الأوضاع المعيشية، او المساهمة في الارتقاء بالمستوى العلمي والثقافي، لدى الفئات الاجتماعية على اختلافها.

الإحساس بالمسؤولية يحفز بعض الفئات الاجتماعية، على التحرك بشكل طوعي تجاه مختلف الشرائح الاجتماعي، من خلال تسخير الإمكانيات والطاقات الذاتية في خدمة الأطراف المحتاجة، ”اعلموا إنّ حوائج الناس إليكم من نِعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم فتتحول إلى غيركم“، فالعملية ليست محصورة في دائرة البذل المادي، او تحسين المستوى المعيشي لدى بعض الفئات الفقيرة، وانما تشمل مختلف مناحي الحياة في البيئة الاجتماعية، لاسيما وان عملية البناء متواصلة، وليست مقتصرة على حقبة زمنية معينة، مما يفرض التفكير الدائم في تلبية الاحتياجات الملحة، للارتقاء بالمستويات العلمية والثقافية، ”لَا تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ“.

العطاء بما يحمل من معاني عديدة، يتجسد في العديد من المواقف الحياتية، فالمرء الذي يتقدم الركب في تقديم العون، واقتطاع جزء من وقته، يحصل على التقدير والاحترام الاجتماعي أولا، ويحصد نتيجة عمله في العديد من المجالات الحياتية ثانيا، مما ينعكس على المسيرة التنموية الشاملة في الوسط الاجتماعي، الامر الذي يفسر الاحتفاء الكبير بالفئات الفاعلة في المجتمع، حيث تجد هذه الشريحة الكثير من الثناء على الدوام، نتيجة الخدمات التي قدمتها للمجتمع، بخلاف الشخصيات التي تفضل التواري خلف الاسوار، فانها لا تحظى بالتقدير والاحترام، وانما تجد الازدراء الكبير من لدن العديد من الفئات الاجتماعية، نتيجة سياسة التفرج التي مارستها تجاه البيئة الاجتماعية، مما انعكس على سلبيا على النظرة الاجتماعية، تجاه هذه النوعية من الشرائح بالمجتمع.

القناعة الذاتية تمثل منطلقا أساسيا في طغيان العطاء، لدى بعض الفئات الاجتماعية، فهي تنطلق من مبادئ راسخة في العمل الجاد لتقديم الفائدة للمجتمع، مما يدفعها لمقاومة جميع الاحباطات، والصعوبات التي تعترض طريقها، سواء من خلال رفض الاستماع للاصوات المعارضة، او التحرك وفق منهج مرسوم، لاسيما وان عملية العطاء تبدأ بتحركات فردية في الغالب، بيد انها سرعان ما تتحول الى حركة جمعية، الامر الذي يسهم في تكريس هذه الثقافة الإيجابية، في الوسط الاجتماعي، وبالتالي فان القناعات تحفز على مبدأ العطاء في الغالب، لاسيما وان محاولات التأثير على هذه الشخصيات تكون غير مجدية، جراء الايمان الكامل بمثل هذه الممارسات، تجاه البيئة الاجتماعية.

الثقافة الاجتماعية الداعمة للعطاء تلعب دورا، في تحريك النفوس بالاتجاه الإيجابي، فالمجتمع يشكل عنصرا ضاغطا على العقل الجمعي، مما ينعكس على الحركة الفردية تجاه العديد من المبادرات الاجتماعية الهادفة، وبالتالي فان تكريس هذه النوعية من الثقافة يساعد في بناء المرتكزات لدى العديد من الأشخاص، الامر الذي يتجلى في الانطلاق السريع تجاه عملية العطاء الكبيرة في جسد المجتمع، بمعنى اخر، فان المجتمع يساعد في تعزيز الروح الإيجابي لدى الفرد، في المساهمة الفاعلة تجاه تدعيم الحالة التنموية، بحيث يترجم على شكل عطاءات عديدة، بعضها مادي وأخرى معنوي، مما يساعد في احداث حالة من التكامل الداخلي في البيئة الاجتماعية.

السعي الجاد لاحداث اندماج حقيقي، بين القناعات الذاتية والثقافة الاجتماعية، تجاه مبدأ العطاء بمختلف اشكاله، يحدث اثرا كبيرا في عملية التناغم الجاد، بين متطلبات الفرد واستحقاقات المجتمع، خصوصا وان ترجيح كفة على أخرى ينعكس على نوعية الممارسات الحياتية، فيما يمثل التوازن الدقيق عنصرا أساسيا في مواصلة العطاء المسؤول بالمجتمع، وبالتالي فان التحرك باتجاه خلق البيئة المثالية، لتكريس ثقافة العطاء، يساعد في تشكيل عناصر قادرة على التوفيق، بين المتطلبات الذاتية والاستحقاقات الاجتماعية، مما يقود لحالة من الاستقرار الداخلي، بين مختلف الشرائح الاجتماعية.

كاتب صحفي