آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

إعادة كتابة التاريخ

أمير بوخمسين صحيفة الرأي السعودي

لم يكتب التاريخ الإسلامي والعربي بشفافية وتجرد، بل تدخلت عوامل كثيرة في صياغة التاريخ منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكان للسلطة السياسية والمستشرق الأوروبي دور كبير في تشويه التاريخ الإسلامي العربي الذي تبنته مجموعة من النخب، متأثرة بأفكار وأطروحات هؤلاء الذين مابرحوا يشوهوّن ويشككّون في الثوابت لتاريخنا وحضارتنا، ابتداءً بمسّ المقدسات والكتب المقدسة كالقرآن الكريم والسنة النبوية، فصدرت الكثير من الدراسات المتخصصة في القرآن الكريم، والتي حاولت ولا تزال تسقّط من قيمة القرآن.

فذهب البعض بأن القرآن يعتبر سيرة تاريخية، وأنه قصص وروايات، وأنه ليس له قيمة مقدسة، هذه النظرة مع الأسف تبنّاها الكثير من المثقفين العرب الذي تأثروا بمدارس «كنت وهيجل وفرويد» وغيرهم من الكتاب والمستشرقين الغربيين، وأصبحت هذه الدراسات المتداولة هي النموذج لتقييم القرآن وتراثنا، بل لا تجد مثقفًا عربيًا مسلمًا، إلا وتأثر بهذه الرؤى والأفكار، فأصبحنا نقتبس تاريخنا من المصادر الأجنبية التي تم تدوينها وصياغتها عبر الدوائر الاستعمارية مستهدفة تاريخنا وتراثنا الإسلامي.

وأصبحنا في وضع روحي وعقلي مشّوه مثل باقي شعوب العالم الثالث، بسبب تلك الانقطاعات التاريخية التي تعمّق جراح الذات الفردية والجماعية وتدفع بدرجة الانفصام إلى أقصى درجات التوتر والصراعات، ولو نظرنا إلى اليابانيين مثلًا، فنجدهم نجحوا في خلق التوازن بين مكونات تاريخهم وتراثهم الديني السالف والحديث، وهذا سر قوتهم رغم دمار الحرب.

الصينيون نجحوا إلى حدّ معقول، رغم محاولاتهم التقطيع التي فرضتها الثورة الثقافية، الهنود لم ينجحوا تمامًا، بسبب عمق الخلاف الديني والتاريخي بين الإسلام والهندوسية، أن المطلب لإعادة كتابة التاريخ يعتبر مهمة جبارة ومسؤولية تتحملها الدول الإسلامية والعربية ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف أطيافه وتوجهاته، وذلك ضمن رؤية توحيدية وشمولية تتجاوز الجدار والحواجز اللذين خلقتهما الأوهام الدينية والقومية، وفرضتهما الهيمنة الأوروبية الغربية.

ولإعادة كتابة تاريخنا الحضاري والسياسي والديني يجب الأخذ بالاعتبار المحاور الثلاث:

1 - التوحيد الديني: أي توحيد التراث الديني والإسلامي مع التراث الديني ما قبل الإسلامي، ما دام الإسلام نفسه ومضمون القرآن يعترفان ويتبنيان تراث أديان المنطقة السالفة، كاليهودية والمسيحية والصابئة والمانوية، وغيرها، والكف عن اعتباره تراثًا منسيًا، بل أجنبي وأوربي.

2 - التوحيد القومي: توحيد تاريخ الحضارة العربية مع تواريخ الحضارات السابقة «الرافدية والفرعونية والشامية» وغيرها، والبحث في الديمومة التاريخية لجميع الحضارات التي قامت في العالم العربي منذ فجر التاريخ وحتى الحقبة العربية، وتوحيد التواريخ الوطنية والقطرية للبلدان العربية على أساس أنها شكلت المراحل الأولى للتقارب والتكامل بين شعوب المنطقة، حتى وصلت إلى قمتها بإنشاء حضارة موحدة هي الحضارة العربية.

3 - التوحيد اللغوي: ربط اللغة العربية ودراستها مع اللغات الأخرى، فلماذا لا يكون من ضمن مناهجنا الدراسية الإطلاع على اللغات والآداب الآخرى، حيث أثبت المؤرخون وعلماء اللغة أنها تشكل وحدة منسجمة لغوية وثقافية واحدة تنتمي إليها اللغة العربية، وبها تكلمت وكتبت جميع الحضارات التي نشأت في المنطقة.