آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

اللصوص النبلاء.

ليلى الزاهر *

‏في مشهد صارخ بالمعارضة بادرت الفتاة أمها قائلة:

‏أمي لا تفعليها مرة أخرى، لم نعْتدْ منك ذلك التّصرف، أصاب الأم الذهول حين سمعت حديث ابنتها لتنكره بابتسامة جميلة قائلة: لكن ماذا حدث يا عزيزتي؟

‏قالت الفتاة متجهمة: سرقاتك يا أمي مكشوفة لقد رأيتُ الكتاب الذي أبحث عنه بين مقتنياتك!

تبسّمت الأم معلنةً انتصار فتاتها.

‏مثل هذه الأم جسّدت دور اللص السارق ببراعة فابنتها قارئة نَهْمَة مما يضطرها الأمر لمصادرة كتبها لتستمتع بحديثٍ خاص مع كاتب ابنتها المفضل، ومعرفة أفكاره التي ينقلها لفتاة في طور المراهقة خاصة في عالم التّكدس المعرفي وإغراءاته المختلفة.

وفي وسط موج التأليف الحديث يلفّنا الغموض حتى نُسْبر في أغوار سطور المؤلف ونرتاد أفكاره لنميز الجيد من الردئ.

وما زلنا نعزف على الناي ذاته ليتردد صداه عند لصّ آخر.

فهناك لصوص نبلاء يسرقون أوقاتنا، يمزّقون دقائقنا، ينازعوننا ساعات الفرح نسعد بصحبتهم لابد أنك عرفتهم هم الأصدقاء الخلّص، حيث يتراقص نغم الحديث معهم، تجمعنا مأدبةُ غذاءٍ بهم يُسعدوننا ونسعد بلقائهم الذي اشتقنا له.

وإذا ابتعدنا قليلا عن مصطلح اللصّ النّبيل سوف نواجه لصوص الوقت الضائع في «ديوانية» يستمر الجلوس فيها كداومٍ رسمي بين الصّحبة وبين أدخنة التّبغ المشتعلة.

وفي صراع بين «روّحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة فإنّ القلوب إذا كلّت عميت» وبين «عُمُرِهِ فيما أفناه» تظهر حقائقٌ نحاول العبث بها في أعماقنا.

ستُ ساعات في الديوانية وبشكل يومي أمرٌ يستلزم الوقوف للنظر في هذا الوقت الذي من الممكن أن تقضي فيه أمورًا عديدة تُفيد بها نفسك وأسرتك التي ينقصها حضورك المُثمر.

أحدهم بلاشك نظر لكلماتي مُقَطّب

الجبين ولكن هي بعض الحقائق التي تُثار عندما يُنثر الملح على الجرح، ويستلزم الوضعُ تصحيحا للمسار الخاطئ في حياتنا.

إنّ اللص الخبير لا يخوض غمار جرائمه إلّا محترزا وبالرغم عن ذلك يترك منفذا يتسلل من خلاله دليل إدانته كما يقول علماء الجريمة الكاملة.

لذلك نحن في حالة مراقبة شديدة لوقتنا وفكرنا لتفادي سرقتهما، ولنكن أكثر خبرة من اللصوص الحقيقيين.

ومن أجمل ما قرأت وحذا بي لكتابة هذا المقال هذه القصة الطريفة:

عندما عاد اللصوص إلى مقرّهم وبعد سرقة مصْرِف، قال اللصُّ الأصغر لزعيم الّلصوص وكان أكبرهم سنا:

يا زعيم دعنا نحصي الأموال المسروقة

فقام الزعيم بنهره وقال له:

انت غبي جدا!

هذه كمية كبيرة من الأموال وستأخذ منا وقتًا طويلًا لعدّها.

وبين حذاقة الّلص وخبرته اللصوصية قال مبتهجًا:
الليلة سوف نعرف من نشرات الأخبار كم سرقنا من الأموال.