آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

مشاهير السوشيال ميديا والمثقفين

محمد الحرز * صحيفة اليوم

ثمة قضيتان شغلتا الرأي العام في الآونة الأخيرة، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، الأولى تتصل بقضية احد من مشاهير التواصل الاجتماعي، الذي حجزته السلطات البريطانية في مطار «هيثرو» بلندن بعد تهريبه للحمام وتصويره بعدئذ هو وأصدقاؤه في بانيو الغرفة بالفندق وهم يجهزون الحمام للطبخ، بينما القضية الأخرى تتصل بقضية الأديب والقاص جارالله الحميد، التي تمس معاناته مع الفقر والمرض.

وأحسب أن هاتين القضيتين تطرحان علينا الكثير من الأسئلة، التي تتعلق بالثقافة والمثقفين وقيمة المبدعين ومكانتهم، وصعود نظام للقيم في العلاقات الاجتماعية والثقافية وانحلال وتفكك نظام آخر وتلاشيه بفعل تطور تقنيات الشبكة العنكبوتية في سياق نظام العولمة وتغلغلها في مجرى أدق تفاصيل حياتنا اليومية.

أحد مشاهير السوشيال ميديا، في حسابه على التويتر يتابعه الآلاف، ومثل هؤلاء المشاهير صنعوا لأنفسهم نجومية إعلامية لم تمر أو تتدرج عبر الوسائط التقليدية للإعلام، هم فجأة وجدوا أنفسهم وسط هالة إعلامية سرعان ما تحولت إلى نجومية مِختلفة تماما عن نجومية الإعلام التقليديين الذين نعرفهم. وإذا كانت القنوات التقليدية في الإعلام لا تصنع نجما في يوم وليلة، حيث مسار النجومية تتطلب الخبرة والممارسة والتميز والإبداع والإنجاز، وهذه الأمور جميعها تحدث شيئا فشيئا من جراء التراكم في الخبرة الحياتية والعملية، فإن «النجومية» في فضاء التواصل الاجتماعي لا تتطلب هذا الجهد والمثابرة والتعب، فالمعيار للنجاح هو كثرة المتابعين، لا أقل ولا أكثر. لذلك هشاشة المحتوى الذي يقدمه هؤلاء لا يثبت في الأذهان، ولا يؤثر فيها بما يجعل من هذا الفضاء حراكا ثقافيا فكريا اجتماعيا يصنع رأيا عاما مؤثرا من العمق.

ثمة سبب آخر يجعلنا نؤكد مثل هذه الهشاشة، ألا وهو سرعة تدفق المعلومات التي لا تتوقف بالمطلق، فهي دائما في حراك وتوالد والمتابع لا تعنيه جودة المحتوى ومضمونه بقدر ما يعنيه منها عامل الغرابة والجدة والسبق والانبهار، وهذه أمور لا يصنعها الجهد الذاتي للمشاهير بقدر ما تصنعها طبيعة الأنظمة في التواصل الاجتماعي، وصفات الفرد المشهور نفسه: الشخصية والنفسية والاجتماعية والتعليمية، وهذه صفات لا تتقاطع في أغلب الأحيان مع المحتوى المطروح. قضية تعكس الهوس الطاغي عند مشاهير السوشيال ميديا بابتكار الحدث وتقديمه للمتابع بطريقة مبهرة ولحظية، بحيث تجعله لا يغفل عن المتابعة في ظل التنافس المحموم لجذب هذا المتابع أو ذاك حتى لو أدى ذلك إلى تجاوز أنظمة البلد، والمصيبة أو الطامة الكبرى إذا ترتب على هذا التجاوز الإساءة لسمعة المملكة في الخارج.

وإذا كانت السفارة السعودية في لندن تدخلت في منع اعتقال هؤلاء لدى السلطات البريطانية، فإن أمير الثقافة بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود استجاب مشكورا لنداء المناشدة والشكوى، التي أطلقها الأديب جارالله الحميد جراء ما يلاقيه من ضنك العيش وعسره، وما لحقه من مرض أقعده على كرسي متحرك.

القضيتان المطروحتان هنا تشتركان في كونهما تنطلقان من فضاء التواصل الاجتماعي وتتأثران به، فالأولى قضيتها تنتمي إلى نوعية القضايا أو المشاكل الخاصة بهذا الفضاء من قبيل «فلان» تهجم لفظيا على «فلان» وأقيمت دعوى ضده، أو فلان صور حادثة سرقة أو حادثة سير، وهكذا تتناسل الحوادث بعضها من بعض وتتشابه.

بينما القضية الأخرى فهي حين نستقبل شكوى إنسانية من أديب كبير لا تتحول قضيته إلى رأي عام، رغم الصدى الطيب عند الكثيرين الذي لقيه. لكن ارتباطها بالأساس بالسوشيال ميديا جعل بعض الكتاب يعالج المسألة ببساطة فجة، وفي بعض الأحيان بطريقة جافة غير إنسانية حين يتساءل: لنعرّف المثقف أولا ذاك الذي يحتاج للمساعدة؟! والسبب الأساس في ظني طريقة عرض المشكلة المتصل أولا وأخيرا بهذا الفضاء.