آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

المظاهر.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

التركيز على المظهر وتغافل الجوهر، يخلق إشكالات حقيقية في التركيبة الثقافة، ويقود لحالة التخبط، وعدم القدرة على تحديد المسارات الحيوية، نظرا للتوجه صوب الطريق الخاطئ، مما يسهم في عرقلة جميع الجهود والتحركات الهادفة، لاعادة رسم الطريق السليم، وإيقاف حركة المجتمع غير الواعية، وبالتالي فان المظاهر ليست قادرة على احداث تحولات حقيقية، على الصعيد الفردي، وكذلك في بنية التفكير الاجتماعي، الامر الذي ينعكس على الكثير من المواقف الملتبسة، وغير الصائبة في كثير من الأحيان.

المظاهر تناقش القشور وتتجاهل البحث في اللب، مما يجعل المعالجات هامشية، وغير قادرة على إيجاد الحلول المناسبة، نظرا للافتقار للبوصلة القادرة على توجيه الجهود، في الاتجاه الصحيح، وبالتالي فان المظاهر تعمل على إضاعة الوقت، وقتل الكثير من الاعمال، جراء الدوران في المكان نفسه، او الذهاب الى المجهول، بحيث تتولد حالة من التشابك غير الصحي، بين الفئات الاجتماعية، جراء التصادم في تحديد الأولويات، وانعدام الرؤية الصائبة، في وضع الأمور في المكان الصحيح، مما ينعكس على تفتيت الجهود الفكرية، في اتجاهات متناقضة أحيانا، ومتصادمة في أحيانا أخرى.

المظاهر احد افرازات المشاكل الاجتماعية، ولكنها لا تمثل أساس تلك الإشكالات، مما يستدعي التفريق بين الارهاصات، وجوهر المشاكل، وبالتالي الركض خلف الارهاصات بمثابة ملاحقة السراب، فكلما سار خلفها بشكل مستمر، كلما ابتعد كثيرا عن مقاربة الحلول الجذرية، خصوصا وان البعض يحاول رسم واقع خيالي لجر الفئات الاجتماعية، نحو ”المظاهر“ سواء لوجود أغراض خاصة، او نتيجة فقدان القدرة على إيجاد الحلول العملية، بمعنى اخر، فان المظاهر ليست قادرة على احداث حالة وعي جمعي في الكيان الاجتماعي، نظرا لعدم وجود المحفزات الأساسية، في عملية ايقاظ الوعي الجمعي، في البحث عن الإمكانيات الحقيقية، لدى البيئة الاجتماعية، مما يولد بعض اليأس في النفوس، جراء الركض خلف سراب لا ينتهي.

وجود فريق يتحرك باتجاه المظاهر، لا يخدم العقل الجمعي، نظرا لتوزع الجهود في مسارات متعددة، بعضها يسير بشكل غير واعي، والبعض الاخر يعمل وفقا لاجتهادات غير مدروسة، الامر الذي يمثل ثغرة كبرى في جدار الوعي الاجتماعي، خصوصا وان فريق المظاهر يتحرك وفق اجندة، غير واضحة المعالم في كثير من الأحيان، وبالتالي فان محاولات جر المجتمع باتجاه التركيز على الأمور السطحية، يترك تداعيات كبرى في عملية البحث عن المعالجات الرئيسية، للملفات الأساسية التي تحتل موقعا مهما، في التفكير الاجتماعي، لاسيما وان فريق المظاهر يعمل بطريقة معاكسة، للمبادئ الأساسية، لعملية النهوض بالعقل الجمعي.

عملية إعادة ترتيب الأولويات الاجتماعية، مرهونة بالقدرة على ترك المظاهر، وإيقاف المسيرة الخاطئة، لاسيما وان التحرك بشكل غير واعي، يسهم في تأخير عملية ترتيب البيت الداخلي، نظرا لاختفاء الإرادة الحقيقية، في التعامل بطريقة ذكية، في التعاطي مع الملفات الأساسية، من خلال التخلي عن النظرة السطحية، والعمل باتجاه الطرف الثاني «الجوهر»، ومحاولة التعمق كثيرا في الملفات، لخلق أجواء اجتماعية داعمة للنظرة الجوهرية، والتخلي عن مختلف اشكال المعالجات الفوقية، خصوصا وان المظاهرة ليست قادرة على وضع الحلول المناسبة، وفقا لاحتياجات ومتطلبات المجتمع بشكل عام.

الحالة الثقافية المتدنية احدى الإشكاليات وراء السير خلف المظاهر، فالفرد الواعي بامكانه التفريق، بين المعالجات الظاهرية والحلول الجوهرية، مما يجعل اكثر قدرة على التحرك وفقا للرؤية المنهجية، فيما الفرد غير الواعي يصاب بحالة من الانبهار، وعدم القدرة على التمييز بين المظهر والجوهر، مما يعني الوقوع في فخ ”المظاهر“، بحيث تظهر على شكل مواقف ارتجالية، وغير مدروسة على الاطلاق، نظرا للتحرك وفقا النظرة السطحية القاصرة، وبالتالي فان الوعي الثقافي يمثل احد العوامل المساعدة، في خلق البيئة الاجتماعية، باتجاه النظرة الجوهرية، بدلا من العمل تبعا للمعالجات الظاهرية.

كاتب صحفي