آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

كورونا.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

الامراض الأخلاقية اكثر خطورة على جسد المجتمع، من المرض الوبائي الجسدي، فالاضرار المترتبة على تفشي الأوبئة الأخلاقية، لا تقتصر على فئة اجتماعية، وانما تنخر في جسد المجتمع بشكل عام، مما يسهم في اضعاف مناعته في الوقوف، امام خطورة تلك الفيروسات الأخلاقية، بحيث تظهر على شكل انقسام داخلي، وتفكك اجتماعي، الامر الذي يفتح الأبواب مشرعة لمزيد من التدهور، والتخلف في العديد من الأصعدة، سواء العلمية او الثقافية، فضلا عن التدهور الأخلاقي الشامل.

الأوبئة الجسدية تعمل المراكز البحثية، والشركات الدوائية المتخصصة، لاجل إيجاد الامصال القادرة، على إيقاف انتشاره في الجسد، فتارة تكون الاهدف وراء العمل على اكتشاف العلاج، مرتبطة باغراض إنسانية بحتة، لحماية البشرية من الاضرار الناجمة، عن ظهور تلك الفيروسات القاتلة، وتارة أخرى تكون الأغراض ذات اهداف ربحية ومادية، حيث تحاول شركات الدواء الاستفادة من تلك الأوبئة، لتصريف تلك الامصال على جميع الدول، مما يعظم الفوائد المادية تحت غطاء انقاذ البشرية، من تداعيات انتشار تلك الامراض الخطيرة.

الهلع الكبير الذي تعيشه البشرية، في مختلف أنواع العالم، جراء اكتشاف مرض كورونا امر مطلوب، خصوصا وان الوباء بدأ في الانتقال بشكل مخيف، في العديد من الدول العالمية، مما يستدعي اتخاذ الإجراءات الاحترازية لتطويق بؤرة المرض، وعدم السماح بانتقالها لمناطق أخرى، مما يشكل خطورة كبرى على البشرية، لاسيما وان المرض يتطور بشكل كبير في جسد المصاب، مما يؤدي الى الوفاة، نتيجة عدم وجود امصال قادرة، على القضاء على الفيروس بشكل جذري.

تغافل التداعيات الخطيرة للامراض الأخلاقية، يكشف جانيا من التفكير الهامشي، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، بحيث تعطي اهتماما كبيرا في جوانب محددة، فيما تترك الجوانب الأخرى الهامة دون تحرك عملي، خصوصا وان الامراض الأخلاقية تصيب شبكة العلاقات الاجتماعية، بالتخريب في الكثير من الأحيان، جراء سيطرة الممارسات الشيطانية على التعاملات الحسنة، الامر الذي يقود للقطعية الشاملة، نظرا لطغيان الخلافات الكبيرة، بين العديد من الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان العمل على معالجة الامراض الاجتماعية، يخدم المجتمع، ويحمي البيئة الاجتماعية، من السلوكيات الشاذة.

الغيبة احد الامراض الاجتماعية الخطيرة، التي لا تقل خطورتها على مرض ”كورونا“، فهذا المرض قادر على تفتيت منظومة العلاقات الاجتماعية، ”الغيبة، فإنها إدام كلاب الناس“ ”الغيبة جهد العاجز“، وبالتالي فان اللجوء الى الغيبة مرتبط بالعجز عن المكاشفة والمصارحة بين افراد المجتمع الواحد، مما يكرس حالة الخلافات الحادة، جراء عدم وجود إرادة حقيقية في المواجهة المباشرة، بهدف وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق ببعض الاختلافات في التوجهات،

”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ? وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ? أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ? وَاتَّقُوا اللَّهَ ? إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ“، وبالتالي فان انتشار الغيبة يمثل حالة سلبية على طبيعة شبكة العلاقات الاجتماعية، الامر الذي يتطلب إعادة ترتيب الأوراق بشكل كامل، من اجل خلق المناخات المناسبة لوضع الخلافات جانبا، والانطلاق بروح جديدة شعارها ”فتح صفحة بيضاء“، بعيدا عن المواقف السلبية السابقة.

بالإضافة لذلك، فان النميمة تشكل بدورها احد الامراض الأخلاقية الخطيرة، فالنميمة بمثابة وباء خطيرة على المنظومة الأخلاقية الاجتماعية، اذ تحاول الأطراف المستخدمة لهذا السلاح تمزيق الوحدة الاجتماعية، من خلال تكريس الفرقة بين فئات المجتمع، ”وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ“، ”شر الناس من سعى بالاخوان ونسي الاحسان“ ”النميمة توجب عذاب القبر“، وبالتالي فان تمزيق الوحدة الاجتماعية، مرتبط باتساع دائرة النميمة في الحياة اليومية، نظرا لوجود اطراف ساعية لتعميق الخلافات، عبر استخدام سلاح النميمة لأغراض مختلفة.

المجتمع مطالب باتخاذ موقف صارم تجاه ”كورونا“ الاجتماعية، باعتبارها احد الأسباب في تفتيت التماسك الداخلي، خصوصا وان وجود الامراض الاجتماعية لا يخدم التحرك المشترك، بقدر ما يساعد في ترك جروح عميقة في الجسد الاجتماعي.

كاتب صحفي