آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

‎ التشجير.. ثقافة

محمد أحمد التاروتي *

ثقافة التشجير مرتبطة بوجود وعي كبير، بأهمية مكافحة التصحر، وزيادة الرقعة الخضراء، في المحيط الاجتماعي، باعتبارها عنصر جاذب للالتصاق بالأرض، خصوصا وان التصحر من الأسباب الطاردة للاستيطان، نظرا لانتفاء أسباب العيش الكريم، وعدم القدرة على توفير مقومات الحياة، لدى بن البشر، الامر الذي يفسر موجات النزوح الكبيرة، التي شهدتها الكثير من المجتمعات البشرية، منذ القدم.

وجود حالة الوعي الاجتماعي، بضرورة الوقوف بوجه مسببات التصحر، عنصر إيجابي في القدرة، على تكريس ثقافة الجمال، في البيئة الاجتماعية، ”الماء والخضرة والوجه الحسن“، وبالتالي فان عملية تحقيق معادلة الخضرة تتطلب وجود ثقاقة، اجتماعية داعمة لزيادة الرقعة الخضراء في المجتمع، لاسيما وان ثقافة تقليص المساحات الخضراء، شكلت احد الأسباب وراء تزايد ظاهرة الرقعة الخرسانية، خلال العقود القليلة الماضية، بحيث ساهمت في اختفاء الكثير من المناطق الزراعية، واستبدالها بقطع اسمنتية، بعضها لاسباب ذات علاقة بالتزايد السكاني، والبعض الاخر مرتبط بنقص الموارد المائية، والبعض الثالث مرتبط بعوامل متعددة ذات علاقة بطبيعة التفكير الفردي والاجتماعي، فيما يتعلق بالاحتفاظ بالمساحات الخضرا، ء في ظل منافسة الزحف العمراني..

عودة الاهتمام بالتشجير ينم عن ارتفاع مستوى الوعي، بأهمية تكريس هذه الثقافة، لدى الأجيال الناشئة، خصوصا وان هذه الأجيال لم تعايش المساحات الزراعية الواسعة، في مختلفة انحاء محافظة القطيف، فقد فتحت اعينها على اختفاء الكثير من تلك المزارع، التي كانت تشكل الجزء الأكبر، من المحافظة قبل نحو 50 عاما تقريبا، وبالتالي فان استقطاب هذه الشريحة الاجتماعية، يسهم في تشكيل حالة اجتماعية، داعمة لثقافة المساحات الخضراء، بحيث تصبح جزء من التفكير اليومي، لدى الأجيال الحالية، مما يساعد في توارثها خلال الأجيال القادمة.

البدايات المتواضعة للكثير من المبادرات الاجتماعية، عملية طبيعية وليست مستغربة على الاطلاق، لاسيما وان المشاريع الضخمة تتطلب الكثير من الصعب، والمزيد من الجهد المتواصل، من اجل توسيع القاعدة الشعبية خلال الفترة القادمة، بحيث تصبح ذات اثر كبير في الثقافة الاجتماعية، والممارسات اليومية، بمعنى اخر، فان الإصرار على مواصلة العمل، وعدم الاهتمام بالعراقيل، سواء الصغيرة منها، او الكبيرة، يساعد في تحريك الوعي الاجتماعي بالاتجاه الإيجابي، بحيث يصبح جزء من التكوين الثقافي، في السنوات القادمة.

التحديات التي تواجه ثقافة التشجير، ليست خافية على الجميع، فاليد التي تبنى تواجه في بعض الأحيان باخرى تهدم، نظرا لاختلاف المستويات الثقافة لدى الأجيال، فالكثير من عمليات التشجير تتعرض للتخريب بشكل سريع، من لدن اطراف غير قادرة على استيعاب ثقافة ”الجمال“، في الساحات العامة، مما يدفعها سواء بوعي او بدون وعي لاقتلاع بعض الأشجار، مما يحدث حالة احباط لدى بعض الجهات القائمة على المشروع، بيد ان الإصرار على المواصلة يسهم في اختراق الكثير من النظرات السلبية، ويساعد في استقطاب المزيد من الأنصار في الفترة القادمة.

الاصداء الإيجابية لهذه المبادرات الاجتماعية، يعطي محفزات كبيرة في التفكير، والتحرك باتجاه وضع القواعد الصلبة، في السنوات القادمة، الامر الذي ينعكس توسيع رقعة العمل لتتجاوز الاطار الجغرافي الضيق، لاسيما وان المبادرات الاجتماعية تلقى قبولا لدى العديد من الشرائح، بحيث تخترق الاطار الزمني، لتبحر في الثقافة اليومية الاجتماعية، مما يعود على الجميع بالفائدة المرجوة، عبر انتقال المبادرة من مساحة جغرافية محددة، الى مواقع أخرى، للاستفادة منها بما يزيد من الرقعة الخضراء، بشكل كبير.

مبادرة ”شتاء تاروت“ تبقى زهرة قابلة للنمو، من خلال إرساء ارض خصبة، مقابل ثقافة ”التصحر“، التي انتشرت في العديد من المناطق، على مدى العقود الماضية، وبالتالي فان محاولة دعمها امر مطلوب لاحداث تحولات حقيقية، في القناعات عبر التعاطي المناسب مع ثقافة التشجير، في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان ”الرقعة الخضراء“ تمثل السبيل نحو احداث توازن حقيقي، مع ظاهرة الرقعة الخرسانية التي غزت المنطقة، وساهمت في تقليص المساحات الخضراء بشكل واضح.

كاتب صحفي