آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الجمود.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض الثبات في موقعه كسياسة دائمة، باعتباره نهجا استراتيجيا، وموقفا ثابتا في جميع الظروف، فهو يتجاهل المتغيرات في المحيط الداخلي والخارجي، اذ ينطلق من النظرة السلبية للتحركات الساعية، لاجراء مراجعة شاملة للمواقف السابقة، حيث يصنفها كحركة تخريبية، او بمثابة خيانة صريحة، للكثير من المواقف القديمة، الامر الذي يدفعه لاتخاذ الموقف الرافض، لكافة الدعوات الساعية، لاعادة النظر في السياسات السابقة، ”إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ“، وبالتالي فان التحركات الهادفة للاستفادة من الماضي، لمواصلة مشوار المستقبل، لا تعني شيئا بقدر ما تهدف لاحداث انقسامات عميقة، في البيئة الاجتماعية الواحدة.

الحركة الدائمة للحياة وتعاقب الليل والنهار، يمثل مدخلا أساسيا، لاعادة النظر في العديد من المواقف السابقة، خصوصا وان الجمود لا يخدم الحركة الإنسانية، ويحرم المجتمع من التجديد المستمر، مما يعمق الفجوة بين متطلبات الحاضر، ومقتضات الماضي، وبالتالي فان الوعي الإنساني يتطلب إيجاد المناخات المناسبة، لدراسة الواقع الجديد، بما يخدم الفكر البشري على الدوام، ”يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ?“.

الدعوة الى الاستفادة من التحركات المتسارعة، في الفضاء الخارجي، لا يمثل انسلاخا عن الماضي، ونزع الرداء القديم والاستعاضة عنه برداء جديد، مناقضا تماما، لطبيعة التفكير السائد، فالدعوة تتحرك باتجاه تحفيز الفكر الإنساني، لتسخير الواقع المعاصر بطريقة إيجابية، خصوصا وان البعض يتخذ الجانب السلبي في التعاطي مع التحولات الكبرى، مما يفقده القدرة على التوازن، والفشل في تحديد الأولويات المناسبة، وبالتالي فان الحركة الإيجابية تسهم في وضع النقاط على الحروف، في الكثير من الملفات الاجتماعية، لاسيما وان التحرك الواعي يرفض الجمود غير المنطقي، من خلال الدعوة الى استخدام الوعي الاجتماعي، بطريقة مثالية على الدوام.

الوقوف عند نقطة واحدة على الدوام، يشكل حالة سلبية في التفكير الاجتماعي، فالعملية ليست تمسكا بالمواقف، بقدر ما تكشف ثغرة كبيرة، في الاليات المناسبة، لاستيعاب حركة الواقع الاجتماعي، وبالتالي فان الجمود يفقد المجتمع القدرة على مجاراة الواقع الجديد، نظرا لافتقاره للادوات المناسبة، للاستفادة المثلى من تلك المتغيرات، ”من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في دينه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة“.

التحرك الإيجابي لتطويع المتغيرات الخارجية بطريقة مناسبة، يكشف القدرة على الاستجابة السريعة لمجريات الأمور، خصوصا وان التأخر في قراءة الواقع المعاش، يترك تداعيات كثيرة على البيئة الاجتماعية، عبر احداث انقسامات داخلية في بنية التفكير الاجتماعي، لاسيما وان التباين في التعاطي مع التحولات، يدفع البعض لاتخاذ مواقف مختلفة، فهناك الآراء المؤيدة للانخراط الكبير، في عملية الانسجام الكامل مع المتغيرات، بحيث تقف في مواجهة قوية مع فريق ”الجمود“، فيما يتحرك انصار الجمود بمختلف الاتجاهات، لايقاف تسلل المتغيرات في الثقافة اليومية، مما يدفع لانتهاج سياسة رافضة لمختلف أنواع المداهنة، او التأييد لتسخير التحولات، التي يرفع لواءها انصار التغيير.

المجتمع يمثل البوصلة القادرة على تحديد الجهة المناسبة، للطريقة المثلى للمتغيرات، فالموقف الرافض يحرم الجميع من المزايا الإيجابية، مما يعطل الحركة التنموية القادرة، على وضع الأمور في النصاب الصحيح، وبالتالي فان التوازن يمثل الحالة المثالية للخروج من مأزق الانقسام الداخلي، من خلال تحريك الرأي العام باتجاه القراءة الواعية، عوضا من المواقف الانفعالية، او وجهات النظر المستندة على مخاوف وهمية.

بكلمة، فان الثبات على المبادئ، لا يعني الوقوف في المكان ذاته على الدوام، فالمجتمع الساعي لمواكبة المستجدات، يعمد للتفريق بين التمسك بالمبادئ، والاستفادة من المتغيرات المعاصرة، نظرا لعدم وجود تناقض بين التمسك بالمبادئ، وتسخير التحولات الخارجية، بما يحقق المصلحة العامة، لمختلف الشرائح الاجتماعية.

كاتب صحفي