آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

حادث الأحساء تحول لكومة حديد

عبد الواحد العلوان

#حادث_الأحساء_كومة_حديد

لله درك

لله درك

لله درك

ثمان مرات بدأت الكتابة فيها وأردت التعبير عما يخالجني وعما شعرت به، ومزقت الورق، وعدت من جديد لأكتب، وأمزق الورق مرة تاسعة.

آه آه آه آه على هذا الشباب الذي ينتحر يومياً على الطريق..

تنهيدات عجزت أن أحتفظ بها في قلبي وعجزت عن أكتمها، وفضلت الحديث والكتابة لكم.

خفت من أن أقسو في كلامي، وأن أبعث رسائل غاضبة، ورسائل قسوة على كل من يقرأ كلامي الذي شعرت به وكأنني أب وأم لهذا الشاب الذي ذهب ورحل وفارق الحياة هو وغيره جراء التهور في القيادة والحوادث المرورية المميتة.

لم أستطع النوم هذا اليوم وأنا أفكر وأفكر وأفكر بعدما شاهدت حجم هذه المأساة التي شاهدها المجتمع بأكمله، بعدما شاهدت هذه السيارة كيف هي قطع حديد وكل قطعة في جهة، بعدما شاهدت كيف لم يبقى من هذه السيارة ولا مكان إلا وتصدع وتهالك.

سألت نفسي كم يمشي هذا الشاب بالسيارة؟

كم سرعة هذا الشاب؟

هل كان متهور؟

هل كان الموبايل هو السبب؟

كيف سيستقبلون أهله هذا الخبر الفاجع، في أول ساعات يومهم كيف سيشاهدون هذه الصور لسيارة ابنهم..!

كيف هو حال والد هذا الشاب..!

كيف هو حال والدة هذا الشابة..!

كيف هو حال أسرة هذا الشاب..!

كيف هو حال زوجة هذا الشاب بعد هذه الصور وهذه المقاطع التي انتشرت انتشار النار في الهشيم..!

أنت رجل؟

أنت شاب؟

أنت في وجهك شنب وشعر ولحية؟

وتدعي الرجولة..!

وتدعي المسؤلية..!

وتدعي أنك رجل مسؤول ولا أحد يستطيع توجيهك، لا أبوك ولا أمك ولا أسرتك، ولامجتمعك..!

تدعي بأنك كبِرت في السن وأصبحت مسؤول من نفسك، تصاحب من تشاء، وتسافر متى تشاء، وتسهر أينما تشاء، وتلعب وتتهور وتستهتر بالسيارة والتفحيط، واللعب في الموبايل أثناء القيادة..!

تدعي بأنك شاب مفتول العضلات، وقوي البنية، وطويل القامة أو قصيرها، بأنك قادر على قيادة هذه السيارة والتلاعب بها، والتهور بها كيفما أردت..!

عزيزي صديقي الشاب، والرجل المتهور، وعديم المسؤلية..

عزيزي الشاب وصديقي المتهور والمستهتر والأناني..

ألم تشاهد كل هذه المقاطع المصورة والصور التي انتشرت في برامج التواصل الاجتماعي.. لحوادث مرورية، لكومة حديد اختلط بأجساد شباب، ذهبوا ضحايا الطيش والتهور، واللعب بالقيادة..!

ألم تشاهد مقاطع فيديو لشباب يتلاعبون في التصوير أثناء القيادة، ويتلاعبون في السناب شات، ويكتبون الرسائل، وذهبوا ضحايا لحوادث مرورية، والكاميرات سجلت كل لحظة من الحادث المرورية..!

وشاهدتها أنت وأنا وكل من بقوا على قيد الحياة يخافون أن يخرجون من منازلهم وتأتي أنت وغيرك يخطف أرواحهم..!

أهذه الرجولة التي تدعي أنك تعرفها؟

أهذه المسؤولية التي تدعي أنك تعلمتها وتدربت عليها؟

أهذه مشاعر الحب والعاطفة التي تقولها لوالديك صباحاً ومساءً؟

أهذه الصورة التي تود إرسالها لوالديك بعد مماتك، جسد مهشم ومقطع وممزق مختلط بحديد السيارة، والحديد ممتلئ بالدم، وقطع من جسدك..!

يابني

يابني

يابني

بكل لغات العالم نحدثك، بكل وسيلة، وبكل برنامج تحدثنا إليك، أعقلها وتوكل..!

”أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك“

حلم أمك وأبوك بعدما تكبر وتبلغ سن ال 20 عاماً، وتبدأ دراسة الجامعة وتتخرج لتتوظف، وتبشر والديك بهذه البشارة الخير، وتقول لهم أنني عون لكم، وأنا ساعدكم، وأنا حققت لكم حلم الشهادة وحلم الوظيفة وكافة أحلامكم، لماذا تخطف أحلام والديك…!

ان لم تمت وبقيت مصاب في أحد المستشفيات لاسمح الله، ومصاب بشلل أو مرض لاشفاء له، ستتعلم من هذا الدرس القاسي الكثير، وستتعلم من هذا الاستهتار والتهور الكثير، وستفقد حياتك وحلمك وحريتك وأنت على قيد الحياة، ممدد على فراش لغاية مايلعن لحظة موتك..!

هل تشعر بهذه المرارة والحزن والفجع الذي ستقدمه لهما ولكل من يشاهد صورك بعد موتك وبعد الحادث، ستفجع الجميع ياولدي، ستفجع الأسرة، ستفجع قلب أختك وأخوك، وقلب أبنائك وزوجتك..

ستفجع كل من يرى ويشاهد ويسمع بهذه القصة، سيحزن لا تتهور لاتستهر بالطريق، وبالقيادة، وبالموبايل، جميع من كانوا مستهترين ومتهورين رحلوا للمقابر يابني، رحلوا في قبور، ولانعلم كيف رحلوا، شاهدنا صور وقصص ووقائع، فجعتنا..

لنسأل السجن والسجان عن القصص التي خلف القضبان من الحوادث المرورية وكيف هم اليوم:

لنفترض أنك صدمت وعملت حادث مروري، بهذه السرعة، ودهست أحداً في الطريق، وتم القبض عليك، وتوفي الذي قمت بدهسه.. وحرمت أسرته وأهله منه، وفجعت قلوبهم عليه.. ودمرت جمعهم وشتت أسرتهم بقتلك العمد لمن دهسته..

هل تتوقع أنهم سيتركونك تذهب للمنزل وللاستراحة ولرفاق السوء؟

هل تتوقع أن قبيلتك وعشيرتك، سيقمون بجمع الدية والمال لأجل التنازل.. عن هذه الجريمة التي قمت بها؟

لو لم يتنازلون أهل الدم، وأهل القتيل عن جريمتك ماذا ستفعل مع نفسك وأنت بعمر الزهور ولو افترضنا عمرك لايتجاوز 25 سنة..!

”وهل تود أن أزيدك من الشعر بيتاً“

افترض معي الذي قمت بدهسه ومات، لديه طفل بعمر 9 أشهر فقط، حكم القضاء، سينتظر بلوغ هذا الطفل 15 عاماً حتى يبلغ سن الرشد، ومن ثم يتم عرض هذه الجريمة عليه، بتنازل مقابل الدية، أو التنازل لوجه الله..!

”وأن رفض ماذا سيحل بك..“

من لحظة القبض عليك لغاية بلوغ هذا الطفل 15 عاماً ستمكث في السجن، وستبقى سجين، تفقد حريتك، وتفقد عقلك، وتفقد كل غالي لديك، وكل حلم بحياتك سيتحطم على صخرة هذه الجريمة التي أقترفتها بحق الآخرين..!

لو لم يتنازل أهل القتيل بعد 15 عاماً من سجنك، ماهو مصيرك..!

”الموت البطيئ ياصديقي“

لأن الأستهتار والتهور في القيادة المرورية تندرج تحت قانون وأنظمة القتل العمد..

صديقي

عزيزي

ابني

بنتي

ابتعد عن الاستهتار وعن التهور بالقيادة وعن التفحيط وعن كل أدوات الموت السريع حياتك أهم من تلك التسلية ومن تلك اللحظات، عمرك أهم بكثير ولايقدر بثمن من هذه اللحظات التي ستقودك حتماً للموت..

أرجوك

أرجوك

أرجوك

لقد تأذينا نفسياً من هذه المشاهد، لقد فجعت قلوبنا وأحزنتنا بهذه المشاهد، وهذا ليس لنا صلة قرابة فيك، ولا نعلم من تكون، ولكن يكفي يكفي يكفي أننا نشعر بمايشعر به والديك وأهلك وأسرتك، نحن مجتمع عانى ماعانى من ويلات الحوادث المرورية لأخمص قدميه، ولازلنا نعاني..

لايوجد شخص آمن على الطريق طالما هناك شباب متهور، ومستهتر بروحه وبأرواح عابري الطريق..

لاحول ولاقوة إلا بالله العظيم