آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

الافراح.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

التشارك الاجتماعي في المناسبات المفرحة، يعكس حالة من التقارب الثقافي والعاطفي، لدى البيئة الاجتماعية، فالمجتمع الذي يتفاعل مع المناسبات السعيدة، سواء كانت عامة او خاصة، يبرز الجانب الإيجابي الذي تحمله مختلف الفئات الاجتماعية، لاسيما وان التفاعل الكبير في المناسبات المفرحة، يولد حالة من المحبة والانسجام العاطفي، الامر الذي يحدث اثرا كبيرا على المدى القريب والبعيد، بحيث يظهر على اشكال متعددة، مما يؤسس لثقافة اجتماعية جامعة، لدى مختلف الشرائح.

التوافق الفكري والانسجام العاطفي، يتجلى في الكثير من المواقف الحياتية، فالعملية ليست مقتصرة على محطات محددة، في المسيرة الاجتماعية، خصوصا وان التحديات الحياتية تفرض انتهاج سياسة واضحة، في إرساء القواعد الثابتة في شبكة العلاقات الاجتماعية، مما يستدعي توزيع الأدوار بما يحقق المصلحة المشتركة، فالوقوف صفا واحد في المواقف الصعبة، ليس مدعاة للتفرقة في المحطات السعيدة، فكل مرحلة زمنية تتطلب الاختيار المناسب، والوقفة الصادقة، الامر الذي ينعكس بصورة واضحة على نوعية التحركات الاجتماعية، في تأسيس ثقافة ”الفرح“ في البيئة الاجتماعية بشكل عام.

التعبير عن الفرح ليست مدعاة للخروج عن الاداب العامة، او ارتكاب الممارسات غير المتوازنة، فالوقوف في المنطقة الوسطى يعطي النتائج المرجوة، فيما التفريط يجلب معه الكثير من التداعيات، على الصعيد الفردي، والاطار الاجتماعي، مما يفرض وضع اطار صارم لتجنب المجتمع الانزلاق، باتجاه الطريق الخاطئ، خصوصا وان عملية التعبير عن الافراح لا تتناقض مع التفكير العقلاني، وبالتالي فان الفرح الذي يعكس ظاهرة اجتماعية طبيعية، وليست حالة شاذة، او خارجة عن السياق العام، مما يستدعي خلق حالة من الانسجام، بين التفكير العقلاني، ومظاهر الفرح المتوازنة.

التعاطف الكبير الذي يظهر المجتمع، تجاه الاحداث السعيدة، يولد حالة من الارتياح النفسي، لدى مختلف الشرائح الاجتماعي، لاسيما وان التجاهل يعكس طبيعة العلاقة القائمة بين الفئات الاجتماعية، الامر الذي يترجم على شكل محدودية التفاعل، او عدم الالتفات الى مناسبات الفرح، لدى شرائح اجتماعية، فيما إشاعة الفرح والتعبير عنها بطرق مختلفة، يترجم التماسك الداخلي لدى البيئة الاجتماعية، فالفرح لا يقتصر على ممارسات محددة، وانما يمارس على اشكال متعددة، بعضها ظاهرة بشكل علني، والبعض الاخر ليس علنيا، وبالتالي فان الفرح ليس حالة واحدة، او تعابير محددة على الاطلاق.

المحطات المفصلية التي تمر بها المجتمعات البشرية، تكشف الكثير من الاخلاقيات المدفونة في النفوس، فهناك احداث تاريخية ساهمت في رص الصفوف بالبيئة الاجتماعية الواحدة، فيما أحدثت بعض المحطات الحياتية شرخا كبيرا بين الفئات الاجتماعية، وبالتالي فان الامتحانات المصيرية تخلف الكثير من الاثار الإيجابية، والبعض الاخر ذات اثر سلبي، نظرا لنوعية التعامل الاجتماعي مع تلك الاحداث الحياتية، ”عند الامتحان يكرم المرء او يهان“، بمعنى اخر، فان محاولة التملص من المسوؤلية الأخلاقية والاجتماعية، لاظهار التعاطف الواضح مع المناسبات المفرحة، يعكس نوعية العلاقة القائمة، وكذلك طبيعة الثقافة السائدة، في الوسط الاجتماعي، مما يستدعي التحرك الواعي لايجاد حالة من الانسجام الطبيعي، بما يحقق التماسك الداخلي، بين الطبقات الاجتماعية على اختلافها.

وجود ثقافة مسؤولة وقادرة على استيعاب الاحداث على اختلافها، يساعد في تحريك النفوس، باتجاه التفاعل المسؤول، صوب حالات الفرح العامة، مما يقضي على أصحاب النفوس المريضة، الساعية لتوسيع الفجوة بين الفئات الاجتماعية، خصوصا وان التماسك الداخلي لا يخدم أغراض تلك الشريحة المريضة، الامر الذي يدفعها لمهاجمة كافة اشكال الفرح، او محاولة وأد مختلف اشكال الفرح، بمبررات كثيرة، بعضها مرتبطة باغراض شخصية، والبعض الاخر بغطاء اجتماعي، غير مقنع على الاطلاق، وبالتالي فان الثقافة المسؤولة تمثل المظلة الرسمية، لمواجهة دعوات أصحاب النفوس المريضة.

كاتب صحفي